وفد صندوق النقد يُحذِّر من الاستخفاف في التعاطي مع الخطوات الإصلاحية
تشكل زيارة وفد صندوق النقد الدولي إلى بيروت، فرصة جديدة لاستطلاع خطوات الحكومة الإصلاحية، من أجل إخراج لبنان من مأزقه، وإن كانت المؤشرات لا توحي أن هناك جدية في تنفيذ ما سبق وطالب به الصندوق، بما يتصل بهذه الإصلاحات التي ما زالت الحكومة عاجزة عن البدء بالخطوات التي تساعد على إقرارها، استجابة لمطالب الدول المانحة. وهذا ما انعكس ضغوطات اجتماعية وحياتية، ما عاد للبنانيين قدرة على تحملها في ظل الظروف البالغة الصعوبة التي يواجهونها.
ويتوقع أن يضع وفد الصندوق المسؤولين اللبنانيين الذين سيلتقيهم، في أجواء مخاطر الاستخفاف الظاهر في عدم ولوج طريق الإصلاح، بعد تجاهل مطالب الدول المانحة على مدى شهور طويلة، حيث لم تقم الحكومة بالدور المطلوب منها على هذا الصعيد، وفقاً لرؤية صندوق النقد، لكي يتمكن لبنان من الخروج من هذا المأزق. وقد كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واضحاً في التحذير من مغبة عرقلة طريق الحكومة الإصلاحي، ومن خلال مطالبته طرح الثقة بحكومته، لأنه لم يعد خافياً على أحد أن هناك من لا يريد تعبيد الطريق أمام عملية الإصلاح، وبالتالي إبقاء البلد عرضة للانهيارات السياسية والمعيشية والمالية. وفي ظل خشية من أن تستمر عملية مطاردة المصارف وحاكم المركزي رياض سلامة، وهذا مؤشر بالغ الخطورة، بدل الغوص في خطة التعافي الاقتصادي التي يحتاجها لبنان أكثر من أي أمر آخر.
مصلحة البلد في وضع حدّ لاستمرار الأزمة القضائية – المصرفية
وتحت هذا العنوان، جاء «جرس الإنذار الذي دقه الرئيس ميقاتي لم يكن موجهاً للقوى الموجودة خارج مجلس الوزراء، بقدر ما اراد قرعَه في وجه القوى السياسية الجالسة على طاولته، والتي تتعاطى بشعبوية، وفق تعبير ميقاتي، ومن منظار انتخابي ضيّق، مع قضايا كبيرة، كالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وما تقتضيه من اصلاحات، بحيث تقول شيئا عنها في مجلس الوزراء، قبل ان تتصرف بنقيضه، وتزايد في حرصها على المصلحة العامة ومصلحة المواطن، في مجلس النواب. ويضاف هذا المؤشر الذي دل على ان الأمور ليست على ما يرام حكوميا، إلى التباين الذي يطبع التعاطي الرسمي مع ملف النزاع القضائي – المصرفي. فبينما كان ميقاتي يرغب بدعوة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى جلسة مجلس الوزراء أمس رفض رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه الأمر بشكل قاطع، فكان ان سقط هذا الطرح».
وتكشف أوساط سياسية أن رئيس الحكومة، استشعر مخاطر جدية تتهدد مصير حكومته، إذا بقي الوضع على ما هو عليه، وهو ما شدد عليه في جلسة مجلس الوزراء، أمس، أي أن الحكومة تكاد تشبه عربة يجرها حصانان في اتجاهين مختلفين، وهذا أمر لا يمكن القبول به. ما يحتم على المكونات الوزارية الالتزام بمضمون بيان الحكومة، والعمل من أجل تفعيل عمل مجلس الوزراء ليقوم بما هو مطلوب منه. وقد كانت الرسالة واضحة من جانب الرئيس ميقاتي بأنه لن يستقيل، لأن هناك فعلاً من يريد دفعه إلى اتخاذ مثل هكذا خطوة، لاعتبارات عديدة، يأتي في مقدمها «تطيير» الانتخابات النيابية برمتها، لأسباب عديدة. وهو أمر لا يغيب عن بال رئيس الحكومة الذي سيقاتل حتى النهاية، من أجل إجراء الاستحقاق النيابي في موعده.
وإذ لمس رئيس مجلس الوزراء حجم الدعم الذي يلقاه لبنان وحكومته، على المستويين العربي والدولي، فإن الملف اللبناني كان حاضراً، في محادثات وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان ونظيره الكويتي أحمد الناصر الصباح، من خلال الإشادة الفرنسية بالمبادرة الكويتية المدعومة خليجياً ودولياً. إذ أشار الوزيران إلى استمرار دعم لبنان لإخراجه من أزمته، مع التشديد على ضرورة المضي بالإصلاحات التي تشكل معبراً إلزامياً، لتقديم الدعم المطلوب للبنان من جانب الدول المانحة، في حين لم يتم حسم موضوع عودة السفيرين السعودي والكويتي إلى بيروت في وقت قريب، بانتظار اتضاح الصورة أكثر، وإن كانت هناك رغبة متبادلة بطي صفحة الخلافات بين لبنان والدول الخليجية الأربع. وإذ أشار وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب أن الحلحلة على خط العلاقات اللبنانية الخليجية بدأت بالورقة الكويتية، فإنه أمل عودة العلاقات اللبنانية السعودية تدريجيا.
وتشدد الأوساط السياسية، على أن من مصلحة البلد، أن يصار إلى وضع حد لاستمرار الأزمة القضائية المصرفية، في حين أن الأولوية يجب أن تكون محصورة في كيفية إنجاح التفاوض بين لبنان وصندوق النقد الذي يريد أن يساعد اللبنانيين فعلاً، إدراكاً منه لحجم المخاطر المحدقة بهم. وهذا ما يستلزم صحوة وطنية داخلية من جميع الأطراف، في إطار تهيئة المناخات التي تسمح بإنجاز الاتفاق بين الطرفين، وبما يمكن الصندوق من المباشرة بتقديم الدعم للبنان، ليتجاوز هذه الأزمة بأقل الأضرار الممكنة.