هي واحدة من بين 84 سيّدة يَطمحنَ إلى دخول الندوة البرلمانية إيماناً منها بقدرات المرأة في خوض غمار الشأن العام ومعتركِ السياسة. إنّها الطبيبة والوالدة نجوى عازار إبنة عينطورة وعضو لائحة «الوفاء المتنية» التي يرأسها نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر.
كلّ من يجلس مع المرشّحة د. نجوى عازار ويستمع إلى أحاديثها، «يُفلفِش» في سيرتها الذاتية، ويتأمل أبرز محطات حياتها، طفولتِها ومراهقتِها في عينطورة، شبابها ودراستها الجامعية في الاغتراب حيث راحت تنهمُ من العِلم لتُعمّقَ تخصصَها في الإنعاش وفي الأمراض الداخلية، سيَجد أنّ مقولة «المستحيل كلمة موجودة في قاموس الأغبياء فقط»، مرآة شخصية تلك الطبيبة، إذ لا محلّ من الإعراب للمستحيل في حياتها. كيف لا وإنّ عملها كطبيبة إنعاش يبدأ بعدما يكون الجميع قد فَقد النوى من المريض، إلى حدّ وصَفها زملاؤها، «بترد الروح للموتى».
«لبنان في دمي»
عجزَت الغربة عن استمالة نجوى رغم أنّها أمضت فيها أجمل سنوات عمرها، إذ سافرت إلى باريس طالبةً في ثورة شبابها وهي تبلغ من العمر 18 سنة، تكاد تضيق الدنيا بحماستها للطبّ، ولكن كانت كلّما ابتعدَت كبرَ في داخلها حبُّ العودة إلى الوطن وخدمة أبنائه. منذ غادرَت لبنان بيدِها شهادة الثانوية العامة، وفي بالِها هاجسٌ وحيد: «لن تغريَني الهجرة». أمضَت 14 سنة في فرنسا حيث تخصّصت في الأمراض الداخلية، وبَعدها في العناية الفائقة.
وتروي نجوى لـ«الجمهورية»، وعيناها تنضحُ حماسة: «ما إنْ عدتُ إلى لبنان الخارج لتوِّهِ من الحرب، حتى سلّمني الدكتور أسعد رزق قِسم العناية الفائقة في مستشفى رزق، وهذه من التحدّيات التي أفتخر بأنّني خضتُها كامرأة آنذاك، إحساس لا يوصَف أن ننقذ مريضاً توقّف قلبُه عن الخفقان».
وتضيف: «عُرِض عليّ الكثير من الفرص كي أعمل في الخارج، ولكن رفضتُ لأنني «متعصّبة لوطني» ومتمسّكة به، وترَشُّحي اليوم عن قناعة تامّة بأنّ المرأة بوسعِها توَلّي شتّى المناصب والمسؤوليات، يكفي أن تثقَ بقدراتها».
معارك «حامية»
رغم أنّها تترشح للمرّة الأولى إلى الانتخابات النيابية، إلّا أنّ اسمَها ليس غريباً عن المتنيّين، ولا تعاطيها في الشأن العام، فتقول: «خلال جولاتي على أبناء المنطقة، سرعان ما يلاقونني عند منتصف الطريق ويُبدون حماستهم، نظراً إلى أنني «مِنُن وفيهن» فوالدي المرحوم توفيق عازار ظلَّ رئيسَ بلدية عينطورة لأكثر من 40 سنة».
وتضيف: «تسللتِ السياسة إلى عروقي منذ لحظةِ ولادتي، كبرتُ في منزل والدي على روح خدمةِ المواطنين، نظراً إلى أنه كان باستمرار يستمع إلى احتياجات أبناء المنطقة ويعمل على نهجِ دولة الرئيس المر الإنمائي المؤسساتي».
وتُتابع: «بدأتُ منذ العام 1996 أنشَط في الماكينة الانتخابية لدولة الرئيس المر، بعدها المعارك الطاحنة في 2002، 2005، و2009، فكنتُ على تماس مباشر مع الأهالي واحتياجاتهم. خضتُ مع دولته ذروةَ المعارك، معاً ذُقنا الفشلَ والنجاح، ومنه تعلّمتُ الكثير، تعلّمت العزمَ والإصرار، فكان كجبلٍ لا تهزّه الرياح، ورَجلاً يُحسَب له ألفُ حساب، رغم كلّ ما تعرّضَ له بقيَ صامداً شامخاً».
أمّا أكثر ما انطبَع في ذهنها بعد سنواتٍ طويلة من النضال مع «أبو الياس» هو حَثُّه المسيحيين على الاقتراع، فتقول: «كان أبو الياس يحثّ المسيحيين على عدم مقاطعة الانتخابات النيابية، ويشجّعهم على المحافظة على دورهم كشرَكاء في الوطن ومؤسساته، والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية والإدارية، وذلك لا يمكن أن يتحقّق من دون المشاركة في العملية الانتخابية».
لا تُنكر د. نجوى «أنّ للاستحقاق النيابي خصوصيةً ومتطلّبات كثيرة»، فتقول: «صحيح أنّنا نعيش في عصر السوشل ميديا، وهناك سرعة في مخاطبةِ القواعد الشعبية، ولكن هذا لا يكفي، لا بدّ مِن معرفة توظيفِ كلّ دقيقة، لا سيّما وأنّ العدّ العكسي بدأ. خصوصاً أنني أحرَص على التواصل المباشر والبقاءِ على تماس مع المتنيّين».
لماذا المعتركُ النيابي؟
رغم أنّ الطبّ استحوَذ على حيّزٍ كبير من حياتها، لكن بقيَ التعاطي في الشأن العام أبرزَ اهتمامات عازار، ومنذ أن كانت في فرنسا لم تتردّد في النزول إلى الشارع، والمشاركةِ في أيّ تظاهرة دعماً للبنان وضدَّ كلّ ما تعرّضَ له من حروب وانتهاكات. وإذا كانت تحلمُ اليوم في الدخول إلى المعترك النيابي، فهذا لأنّ في جعبتها الكثيرَ من التحسينات والتطويرات في شتّى الميادين، أبرزُها في الطب.
فتقول: «أجد أنّ القطاع الخاص لا يمكن أن ينموَ ويتطوّر من دون دعمِ القطاع العام له، لا سيّما في مجال الاستشفاء». وتسأل نجوي: «متى يحتاج المواطن للضمان؟ أليس بعدما يتقدّم في العمر؟ أين الضمان الاجتماعي وفي أيّ ظروف يعمل؟ أمّا بالنسبة إلى شركات التأمين فحدِّثْ ولا حرَج، لا بدّ من إعادة النظر في أنظمتها الداخلية، بالإضافة إلى التشديد على السرّية الطبّية».
وتضيف: «لا بدّ من «نفضة» في الأنظمة والقوانين في وزارة الصحة، وفي الضمان الاجتماعي وفي شركات التأمين. كيف بنا نَقبل أنّنا في العام 2018 وهناك من يموتون على أبواب المستشفيات».
وتُشكّل مسألة معالجة النفايات إحدى القضايا الرئيسة ضِمن برنامج عازار، فتقول: «معالجة النفايات أقلُّ ما يمكن القول إنّها «ربّيحة» إذا أحسنّا إدارتها ومعالجتها، وهي تولّد فرَص عمل لشبابنا الذي يعاني من البطالة وضِيق الفرص أمامه».
وتعتبر عازار «أنّ الفقر المتفشّي مشكلة لا يمكن الاستخفاف بها لأنها تولّد سيلاً مِن المشكلات في المجتمع، وعبءُ الأقساط المدرسية ضاعفَ همَّ الأهالي. مؤلمٌ أن نرى المواطنَ يعيش في ظروف اقتصادية صعبة، في ذروةِ الحرب عاشَ أفضلَ ممّا هو عليه اليوم».
خِتاماً، مِن عازار رسالة إلى اللبنانيين عموماً والمتنيين تحديداً: «أعطوا أصواتكم لِمن يُمثلكم، لمن تجدوا فيه الخيرَ لإنماءِ المتن وتطويره، لِمن ماضيه يُخبر عنه». وتخصّ المرأة برسالة: «أنتِ في المنزل أُم، وفي المجتمع مدرسة، وفي الوطن شريكة، لا تستخِفّي بصوتك وبقدرتِه التأثيرية».