يأخذ البشر طريق الحروب للوصول إلى السلام. «فلا صداقة إلا بعد عركة». منطق غريب يُعاكس قيمة الإنسان وجوهره، لكنّه سيّج واقع الدول والمجتمعات المتحاربة عبر الأزمان. وفي دراسة قام بها بعض علماء الحروب لمعرفة أسبابها وخلفياتها، تبيّن لهم أن من أصل 3 آلاف سنة، عمّ السلام حوالى 271 عاماً فقط، فيما الأعوام الباقية كانت هدنات تحضيرية لتطاحنات قادمة.
مسكينٌ هو السلام، بالإضافة إلى محطّاته القليلة، تفتقد «معاركه» إلى عناوين برّاقة وجذّابة. يُعَرّف عنه وفق أماكن تواقيع معاهداته، مثلاً «مؤتمر الصلح» في فرساي (1919) الذي أنهى موقّتاً الحرب العالمية الأولى، أو «سلام وستفاليا» بين الممالك الأوروبية (1648) في مقاطعة وستفاليا أو «إتفاقية باريس» (1898) بين الولايات المتحدة الأميركية وإسبانيا في العاصمة الفرنسية. حتّى الحروب كانت تُشتهر حسب ساحاتها وميادينها أو عدد سنواتها كـ»حرب السنوات السبع» (1756 – 1763) بين الدول الأوروبية، أو نسبة لأسماء قادتها وملوكها (النابوليونية، غزوات تيمورلنك، فتوحات الإسكندر…).
رغم توالي الأزمنة وظهور شرعات حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، لم تتغير الحروب في وحشيتها. آلة ضخمة مرعبة صمّاء، تسحق كلّ شيء، ومع تطوّر العلوم والتكنولوجيا، تقدّم فنّها وجنونها في حصد المدن والأرواح. صحيح أنّ كل وجوهها وأقنعتها قبيحة، لكن هناك شيئاً جميلاً واحداً (ربّما)، قد برز في العصر الحديث منها. أسماؤها. نعم. حتى يرى البعض أنه لو عمّ السلام الشامل، سنخسر متعة الإطلاع على عناوينها وشعاراتها المُثيرة. كأننا أمام قاموس من المفردات البديعة، وقعها على النفوس كقرع الطبول. لكن السؤال المثير للدهشة والفضول هو من أين أتت تلك التسميات؟ من ابتدعها؟ هل هي قديمة أم حديثة المولد؟
«إنّهم الألمان يا سادة» (كما يُردّد أحد المعلّقين الرياضيين في مباريات المنتخب الألماني لكرة القدم). كانوا السبّاقين في تسمية معاركهم العسكرية خلال الحرب العالمية الأولى. ثمّ أتى الإنكليز بأبّهتهم ودقّتهم مع «السير» ونستون تشرشل (رئيس الوزراء في الحرب العالمية الثانية)، ليضع قواعد وبروتوكولات ونيل موافقته شخصيّاً على إسم كلّ عملية. كما أدرج مجموعة من المعايير المحدّدة، إذ لا يجب أن تُسمّى بأسماء توحي بالتباهي أو الثقة المفرطة ولا يجب أن تحمل إسماً تافهاً لا يحمل معنى عميقاً. ثمّ كانت العلامة الفارقة في تسعينات القرن الماضي وخصوصاً مع حرب الخليج، في ظلّ طفرة إعلامية سمحت للمشاهدين المعنيين والبعيدين بمتابعة مجرياتها على الهواء مباشرة. ولعلّ إسم «عاصفة الصحراء» لا يزال يعصف ويرنّ في الذاكرة حتّى الآن.
بالعودة إلى الشرق الأوسط «الإسبارطي»، نظراً إلى دوله التي لم تتعرّف يوماً إلى رفيق دائم يُدعى السلام. تعيش في هاجس القوّة العسكرية والحربية. لا مكان للسياسة والتآلف. الدم ثم الدم. تُزهق الأرواح فدية للقائد المؤبّد أو القضية الخالدة حتى لو مرّ عليها ألفا عام. السّلام منزوع الدسم. فإمّا مفقود أو ملعون. وحدهم أصحاب «القبعات الزرق» وسيّدهم غوتيريش يجاهدون في سبيله، إنّما «ما باليد حيلة» سوى البيانات والإعراب عن القلق والحذر الشديدين.
في السابع من تشرين الأوّل، سجّل التاريخ واحدة من أبرز العمليات العسكرية وسيبقى إسمها محفوراً لأجيال وأجيالٍ: «طوفان الأقصى»، لتردّ إسرائيل بـ»السيوف الحديدية»، غير أنّ اللافت في هذه الحرب وعلى عكس كل المعارك التي عنونتها الدولة العبرية في صراعها مع الفلسطينيين والعرب، أن التسمية الحمساوية قد طغت على النسخة الإسرائيلية حتى في وسائل الإعلام الغربية والمؤيّدة منها لتل أبيب.
ومن أبرز أسماء العمليات والحروب الإسرائيلية/ العربية/ الفلسطينية، هي:
– «الرصاص المصبوب» كانت هي الحرب الأولى التي أطلقتها إسرائيل ضد القطاع واستمرت لنحو 21 يوماً، وبدأت في كانون الأول 2008، فيما أسمتها حركة «حماس»: «حرب الفرقان».
– «عمود السحاب»، تشرين الثاني 2012 وأسمتها حركة حماس بـ»حجارة السجيل»، واستمرت لمدة 8 أيام، وأسفرت حينها عن 177 قتيلاً و1200 جريح.
– «الجرف الصامد» في تمّوز 2014 وأسفرت عن 2322 قتيلاً و11 ألف جريح، فيما أطلقت عليها حماس اسم «العصف المأكول»، واستمرت 51 يوماً.
– «حارس الأسوار»، كانت في أيّار 2021، حيث شنّت إسرائيل تلك العملية التي أسفرت عن 240 قتيلاً و5000 جريح، فيما أطلقت عليها حماس إسم «سيف القدس».
– «الفجر الصادق»، كانت في آب 2022، وأسفرت عن 10 قتلى وعشرات الجرحى، بعد أن اغتالت إسرائيل عدداً من قيادات ونشطاء حركة الجهاد من بينهم القائد في سرايا القدس تيسير الجعبري.
– «عناقيد الغضب»، هو الإسم الرمزي الذي أطلقه العدوان الإسرائيلي على لبنان في نيسان 1996، وسمّاها «حزب الله» بـ»حرب نيسان» وارتكبت فيها إسرائيل مجزرة قانا الأولى، مستهدفة مركز قيادة فيجي التابع لقوات اليونيفيل، حيث قامت قوّات الإحتلال الإسرائيلي بقصف المقرّ بعد لجوء المدنيين إليه هرباً من العملية، واستشهد أكثر من 106.