Site icon IMLebanon

الحراك وتسمية الحريري: خياران أحلاهما مر!

 

 

يقف الحراك اليوم أمام مفترق طرق. باتت معركته في وجه السلطة «على المكشوف»، وفي مرحلة زمنية فاصلة. أعلن مطالبه كافة مراراً عبر فئاته المختلفة وشخصياتها المتنوعة، وأهمها أو أولها تشكيل حكومة إختصاصيين مستقلين تحوز على ثقة الناس التي انطلقت في ثورتها في الشارع قبل نحو شهرين.

 

عارض الحراك الأسماء المختلفة التي طرحت لرئاسة الحكومة، وكان عاملاً في سقوطها الواحد تلو الآخر، وإن لم يكن العامل الوحيد في فشل وصول تلك الشخصيات الى سدة الرئاسة، وهي الموقع السني الأول في البلاد، فبات زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري في الواجهة بعد أن تبين انه هو من يملك الحل والربط، وبشخصه وحده يمكن البدء بمسيرة التسوية بين مختلف مكونات السلطة نفسها كما مع المنتفضين في الشارع.

 

القرار الصعب

 

اليوم، مع طغيان إسم الحريري، وتطويبه من قبل دار الفتوى، المرجعية السنية في البلاد، يبدو الحراك أمام مفترق.

 

إذا رفض تولي الحريري رئاسة الحكومة، سيُعتبر رفضياً وغير راغب بأي حل، وسيقوده هذا الأمر الى مسؤولية تقديم الحل للشارع، وربما الى صدام مع الشارع السني الذي لا يختصره الحريري لكنه يمثل غاليبته التي تمظهرت في المجلس النيابي، وإن ضعفت عن سابقاتها في السنوات الماضية.

 

أما إذا قبل الحراك بزعيم تيار المستقبل، فإن من شأن هذا الأمر أن يجهض ثورته التي جاءت تحت شعار «كلن يعني كلن»، مثلما سيُصور المنتفضين بمثابة «التَسْوَوِيين» مع سلطة يرفضونها، وقد توجه إليهم الاتهامات بحب السلطة والرغبة فيها والإستعداد للتوزير.

 

حتى ساعات صباح الأحد الماضي، ظهرت حماسة المنتفضين في قمتها اعتراضاً على إسم الخطيب. وبدت الثورة في أوجها، ولعل مهمة كل ثورة الإرتقاء عبر انتفاضتها الشعبية حتى الأقصى، مهما كانت محاولات القمع والترهيب، أو حتى الترغيب لإخماد جذوتها. فكيف إذا شكل الأمر محاولة التفاف من قبل السلطة لمراوغة الثورة كما هو الحال اليوم؟

 

مع الوقت، وقبل سقوط إسم الخطيب بساعات، ونظرا لعامل الطقس الماطر والبارد، آثر المنتفضون إرجاء مسيرتهم الكبرى في ساحتي الشهداء ورياض الصلح استعدادا ليوم أمس في بعبدا ترقبا للاستشارات النيابية لاختيار رئيس الحكومة، وتم إعداد كل ما يلزم في الشارع من أدوات لإزعاج السلطة.

 

بعد فشل تسمية الخطيب، لأسباب متعددة، أراد الحراك تهدئة الساحة. لكنها تهدئة مؤقتة ولأيام معدودة ربما، في الوقت الذي يناقش فيه الحراكيون خطواتهم المقبلة التي لا يبدو انها ستستأنف قريبا جدا.

 

بين التطرف والواقعية

 

يدور بين الحراكيين نقاش عميق حول كيفية التعاطي مع إمكانية عودة الحريري الى رئاسة الحكومة.

 

ثمة رأي متطرف رافض بالمطلق لزعيم المستقبل كونه يشكل جزءا لا يتجزأ من طبقة سياسية رفضتها شرائح كبيرة من الشعب وكررت ذلك في فترات مختلفة من الحراك. تقول وجهة النظر هذه إن عودة الحريري ستكون إجهاضا للثورة وعودة الى ما قبل 17 تشرين الأول، موعد انطلاق الانتفاضة، وهو ما ليس حقيقيا بعد ما حققته الانتفاضة حتى الساعة.

 

والواقع إن هؤلاء يواجهون مشكلة رفض الشارع السني لمرشح آخر غير الحريري، خاصة وأن استقالة الحريري من الحكومة لم تتبعها استقالة مماثلة لرئيس الجمهورية المسيحي، ورئيس مجلس النواب الشيعي. وهي وجهة نظر يحتفظ بها بعض المنتفضين في الحراك أيضا الذين يرون ان الحريري قد يذهب كبش فداء.

 

بالنسبة الى الراديكاليين في الحراك، فإنه يجب محاورة أصحاب وجهة النظر هذه، وتقديم الحلول الأخرى لرئاسة الحكومة في شكل يتواءم مع مطالب الناس. ويأتي من داخل وجهة النظر هذه من يطالب بإعلان العصيان المدني، وهي دعوة غير مدروسة ومتطرفة ناهيك عن كونها عبثية، وهي لم تطبق سوى في مناطق محدودة في لبنان كما في طرابلس على سبيل المثال، وفي شكل متقطع.. بينما تعارضها غالبية ساحقة في الحراك.

 

في المقابل، يبدو التطرف غير مصاحب لفئات كثيرة في الحراك ممن لا يريدون معارك عبثية، ويودون تجنيب البلاد خضات جديدة هي بغنى عنها.

 

ليست المعركة هي في الرفض الدائم، حسب وجهة النظر هذه، فالأمر مؤداه، كخطوة أولى، تشكيل حكومة مقبولة للشعب ومن غير السياسيين في سوادها الأعظم، ولا مشكلة في تولي الحريري رئاستها.

 

ما يريده هؤلاء خروج الوجوه الاستفزازية من الحكومة المقبلة، وهي باتت معروفة ومن الفئات المختلفة، وتشكيل حكومة تكون غالبيتها من التكنوقراط أو من يشابههم، أما السياسيين فيجب ان يكونوا أقلية فيها، ومن الوجوه المقبولة أو «سياسيين LIGHT».

 

هما خياران أحلاهما مرّ للحراك في فترة مفصلية من الانتفاضة. على أن غالبية الحراك متفقة على حكومة مؤقتة وانتقالية، تتحمل مسؤولية وقف الانهيار، يجب أن تنال صلاحيات تشريعية إستثنائية وتحضر لقانون انتخاب عصري يؤسس لانتخابات نيابية مبكرة. وقد حضرت مثل هذه الحكومة في مراحل سابقة كما في الحرب، واليوم، يمر لبنان في مرحلة شبيهة في دقتها وخطورتها، لا بل قد تكون أخطر، ذلك انه حتى في زمن الحرب، لم يكن البلد يمر في أزمات صارخة إقتصادية ومالية وإجتماعية ناهيك عن السياسية!

 

هدوء ما قبل العاصفة؟

 

والواقع انه عند كل مفترق كالذي يمر الحراك فيه اليوم، يمر الشارع بفترة من التهدئة، لكنه الهدوء الذي قد يسبق العاصفة، إلا أن الحراك يبدو وكأنه استنفد غالبية وسائله، وبات على المنتفضين ابتكار الوسائل الجديدة لحماية مكتسباتهم، لا بل التأسيس لما هو أهم منها في نضال مستمر مع السلطة التي يجب ان تواجه ما هو شبيه بحكومة الظل التي على الحراك تشكيلها في الشارع استعدادا لأية مماطلة من قبل هذه السلطة، وهي دأبت عليها باستمرار.