في إحدى الليالي، غافلتني برغشة ودخلت إلى غرفة نوم أولادي في البيت ولدغت إبني على خدّه، وأفاقته من نومه وربما عكّرت صفو أحد أحلامه الجميلة… فجنّ جنوني، ولاحقت البرغشة أكثر من ساعتين في أرجاء المنزل حتى قبضت عليها، لأنني لم أكن أريد أن أقتلها بطريقة رحيمة بكعب حذاء أو رقعة مبلولة. مسكتها، وعذّبتها حتى سمع الجيران صراخها، وسحبت دماء إبني من بطنها… وثم جلبت حبلاً سميكاً، ولفّيته حول رقبتها، وشنقتها من على شرفة المنزل حتى تكون عبرة لكلّ البرغشات في الشارع والمنطقة ومحافظة جبل لبنان.
وفي الصباح، ذهبت إلى القضاء، ورفعت دعوى على جنس البرغش على الكرة الأرضية، وقاضَيت شركة تصنيع المبيدات التي لم تحم منتجاتها المشتعلة إبني من لدغة البرغشة. وواظبت طوال الأسبوع اللاحق على تجييش عائلتي وأولاد عمّي وعشيرتي، وجميع أصحابي ومعارفي للتصرّف بوحشية مع البرغش إنتقاماً للحبّة الحمراء الصغيرة التي تركتها تلك الملعونة على خدّ ابني، وربما بالخطأ، ربما عن غير قصد وبكل نيّة صافية.
لكن لا تهمّ النوايا، ولا تهمّ الدوافع، لأنّ كل ما يهمّ هو صحّة أولادي وأمانهم وطمأنينتهم وسلامهم داخل المنزل. فلا أكترث لحقوق حيوان ولا حقوق حشرات وذباب وبرغش، ولا يهمّني حقوق إنسان ونبات وغابات الأمازون أو ثقب الأوزون، فطالما الأمر يتعلّق بسلامة هؤلاء الصغار، لا يمكن أن يعاتبني أحد على مدى غضبي، وطريقة انفعالي أو حتى تصرّفاتي.
كثير من الآباء والأمهات وقفوا لحظة حقيقة بالأمس أمام خبر اقتحام سارق مسلّح منزل الفنانة نانسي عجرم في منطقة السهيلة، وسألوا أنفسهم ماذا كانوا سيفعلون لو حصل هذا الأمر معهم، في منزلهم وفي غرفة نوم أولادهم؟ كثيرون سألوا أنفسهم إذا كانوا سيتمتّعون بالجرأة الكافية للتصرّف مثل الدكتور فادي الهاشم زوج نانسي عجرم؟ وإذا كانوا سيهاجمون السارق وسيطلقون النار عليه لو دخل بمسدسه غرفة نوم أولادهم النيام؟
مجرّد التفكير بالأمر كان مرعباً جداً بالنسبة لكثيرين، وكان يدفعهم غصباً عنهم لطرح مئات الأسئلة وتخايل آلاف السيناريوهات والاحتمالات… ولكن لا شكّ في أنّ أي أب وأم، كان ليتصرّف مثل الدكتور فادي وربما أكثر، وكان ليطلق مكان الرصاصة عشرات الرصاصات، وربما القنابل والقذائف والصواريخ الباليستية… كان ليموت فداء عن أفراد أسرته ومن أجل سلامتهم، فالموت أسهل على الأم والأب من أن يعيشوا مع عقدة ذنب التقصير في حماية من يحبّون.
نانسي عجرم أمس لم تكن فنّانة مشهورة تعرّضت لاعتداء… نانسي كانت أمّاً مثل جميع الأمهات، تعرّض أمن أولادها للخرق وتعرّضت حياتهم للخطر، فتصرّف زوجها مثل أيّ أب في العالم بكل ما يملك من جرأة وسرعة بديهة وغريزة أبوّة، وفعل ما يستطيع حتى يبقى عدد أفراد أسرته مكتملاً بعد الاعتداء.
ولأنّ القضية حصلت مع شخصية مشهورة، تم تداولها على نطاق واسع، وفتحت أعين اللبنانيين على واقع أليم تخطّينا عتبته أمس. فكلّما ستطول الأزمة الاقتصادية، كلّما سيزيد عدد السارقين والمعتدين على أمن منازلنا بحثاً عن أموال ومجوهرات وممتلكات، وكلّما سيشتدّ الخناق المالي كلّما سيزيد عدد الجرائم بفِعل الفقر والعوز والجوع.
بالطبع هذا لا يبرّر أي عمل إجرامي، ولكن للأسف انّ هذا واقع شهدته الكثير من الدول والمجتمعات في ظروف مماثلة. ومع كل جهود الجيش اللبناني والقوى الأمنية، ما من منزل محصّن ضدّ تَكَرّر هكذا اعتداءات، سواء في الليل أو النهار… ويبقى السؤال، لو كنت أنا مكان نانسي عجرم أو مكان زوجها، ماذا كنت فعلت لحماية منزلي وأولادي؟