تزكم روائح النفط السياسية، المنبعثة من السفينة الإيرانية، أنوف اللبنانيين الغارقين في طوابير إذلالهم الممنهج أمام المحطات، ومشاعر الكفر بطغمة مافيوية تحكم بإسم الكارتيلات والصفقات والمحسوبيات، سلطة نهبت اللبنانيين وتمعن في هدر أموالهم وجنى عمرهم على “دعم مزعوم”، يدفعون ضريبته من عرق جبينهم وأعصابهم، ويتحسّرون على تهريبه على مرأى منهم!
المواد المدعومة من الدولة اللبنانية بلغت كلفة دعمها في شهر تموز 830 مليون دولار، بحسب ما قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولم يصدر بالمقابل اي تشكيك او نفي، من قبل اي جهة تكذّب ما قاله سلامة. والمفارقة “المريبة”، ان جلّ هذه المواد المدعومة هي من المشتقات النفطية، كما ان رقم الدعم هذا غير مسبوق في تاريخ الاستيراد اللبناني، ويدلل على ضرب “الرقم القياسي”، في كمية الاستيراد للمشتقات النفطية خلال شهر، ليرتفع الى حدوده القصوى، مقارنة مع اي شهر من اشهر الأزمة أو قبلها.
وسرعان ما يشي هذا الأمر، ومن دون تردد، ان “حصة الأسد” من هذه المواد، تخضع للتخزين والتهريب، وهذا ما كشفه الجيش عبر بياناته المتلاحقة، عن ضبط مخابئ للتخزين غير الشرعي تمّت مصادرتها او بيعها، وهي لا تشكّل الا الجزء القليل من الكميات المهرّبة، او تلك المحمية من قبل، جهات ميليشيوية، قادرة ان تمنع الجيش من مصادرتها، بل حتى الكشف عليها.
رغم تدفّق الكميات الهائلة من مادتي المازوت والبنزين التي يفترض انها اغرقت السوق اللبناني، الا ان الأزمة بقيت بل اشتدّت، ولم تخفّف الكميات التي صادرها الجيش من محتكرين، وقام بتوزيعها على المستشفيات واصحاب المولدات، أو تلك التي فرض بيعها في محطات الوقود، من حدّة الأزمة، ولا حدّت من تنامي طوابير السيارات في كل المناطق المتعطّشة لمادة البنزين، ولا من التقنين القاسي الذي يزداد قسوة من قبل اصحاب المولدات الكهربائية.
انطلاقاً من هذا الواقع، يتبدّى ان الأزمة ليست ازمة نقص المشتقات النفطية المستوردة، انما هي ازمة تهريب وتخزين سياسي مافيوي بالدرجة الاولى، وكذلك هي عملية نهب منظّمة بقوة تحالف الميليشيا والمافيا، المتمثّلة بالمنظومة الحاكمة.
عملية النصب التي يتعرّض لها اللبنانيون مكشوفة ومدمّرة، وسفينة النفط الايرانية التي اعلن امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله عن انطلاقها الى لبنان، تأتي في سياق ما يتعرّض له اللبنانيون، ذلك ان المشكلة كما يتّضح، ليست نتيجة حصار مزعوم على لبنان، ولا بكمية النفط الذي يستورده لبنان، ولا في ازمة وصول النفط المتاح والمبذول، كما تشهد الســفن المحمّلة بالمازوت والبنزين على الشاطئ اللبناني. المشكلة تكمن في التهريب السياسي الذي يتحمّل “حزب الله” المسؤولية الكبرى في تغطيته وحمايته، باعتباره القوة الفعلية على الحدود مع سوريا، وصاحب القرار الأول داخل السلطة والمنظومة الحاكمة.
من هنا يجوز القول ان الباخرة الايرانية ليست الغاية منها حل المشكلة، ولا يمكن لعشرات البواخر، ان تحلّ ازمة فقدان المشتقات النفطية، او ازمة الحصول عليها من قبل المواطنين، هي بالضرورة رسالة ايرانية تعلن فيها علناً، من خلال “حزب الله” خرق الحصار على ايران، ولو بتوريط لبنان في ازمات في غنى عنها، من دون ان يوفر النفط الايراني الحل للأزمة. اي ان لبنان سيدفع الثمن لحساب ايران مرّتين، مرة من خلال تحمّل تبعات دخول النفط الايراني من دون اتفاق، كما جرى بين العراق وايران بغطاء اميركي، حيث لم يستورد العراق الغاز الايراني الا بعد موافقة واشنطن، والثمن الثاني، ان وصول النفط الايراني لن يحل المشكلة النفطية في لبنان، طالمـــا ان المشكلــة في التهريب.
لذا، فإن “حزب الله” يذهب نحو المزيد من توريط لبنان، لحسابات ايرانية فقط لا غير، هذه المرة لم يقل نصرالله هذه سفينة “حزب الله”، ولا قال انها سفينة ولاية الفقيه، هو سمّاها ارضا لبنانية، تحدّث باسم اللبنانيين رغماً عنهم، فيما رئيس الجمهورية “الصامت الأكبر”، وهو يدّعي كل يوم انه يقاتل من اجل موقع الرئاسة الأولى، ويدافع عن حقوق المسيحيين في حقّه بتسمية الوزراء، ثم لا يستشعر في كلام نصرالله اي انتهاك لموقع الرئاسة، ولا لحقوق المسيحيين فضلاً عن اللبنانيين جميعاً، على قاعدة “ما يحقّ “لنصرالله” لا يحقّ لغيره”!
السفينة الايرانية او النفط الايراني ليس هبة ولا مكرمة ايرانية، هي ارض لبنانية كما زعم نصرالله، لعلّ هذه العبارة تكشف عن واقع لبنان السفينة المخطوفة بهدف مقايضتها بفدية لا يريد احد ان يقّدمها، فيما ركّاب السفينة امام خيار الغرق او الموت جوعاً.