وقعت «جبهة النصرة» بين فكّي كمّاشة. حزب الله والجيش اللبناني من جهة وتنظيم «الدولة الإسلامية» من الجهة المقابلة. مع مرور الوقت، تضيق الخيارات أمام فرع «القاعدة» في بلاد الشام رويداً رويداً. بين اقتحام عرسال وفتح طريق انسحاب في اتجاه البادية السورية
لم تنته معركة القلمون بعد. ورغم أنّ إيقاع المواجهات السريعة يجري لمصلحة حزب الله، إلّا أنّ محاصرة «جبهة النصرة» في الجرود العرسالية تفتح الباب أمام أكثر من احتمال. هل يستسلم مقاتلوها، أم تُفاوض مُستخدمةً العسكريين الأسرى، ورقة الضغط التي تتمسّك بها، لتنسحب، أم تمضي قُدُماً في اقتحام عرسال مجدداً؟
أثبتت التجربة مع مسلّحي المعارضة، على مدى ثلاث سنوات، أنّ كل شيء متوقّع. لا مكان لأي حسابات منطقية، بدءاً بمعركة القصير ومروراً بقرى القلمون وانتهاءً، اليوم، بمعركة الجرود.
كل التقديرات لم يكن لها أي وزن. فالحرب تحتدم افتراضياً فيما للميدان شأنٌ آخر. حتى مقاتلو حزب الله أنفسهم فوجئوا بالانهيار السريع في صفوف الخصم. لم تُغيِّر التحصينات الطبيعية أو القدرات الفردية للمسلّحين من نتيجة المعركة أو تؤخر في حسمها. هكذا، خفت وهج المعركة، أقلّه في صفوف المعارضة السورية المسلّحة. ولم تعد معركة القمّة التي رُوِّج لها طويلاً. والمواجهات الدائرة، التي تشهدها بعض الجرود، باتت تجري بصمت، كأنّ الهزيمة باتت أمراً مسلّماً به. ويُنقل عن «أمير النصرة» في القلمون أبو مالك التلّي أنّه «أعطى توجيهات لإعلاميي الجبهة بعدم تعظيم أخبار القلمون كما كان يجري كي لا يظهر السقوط كهزيمة كبرى».
لذلك، وبما أنّ حسابات البيدر قد لا تتفق مع حسابات الحقل أحياناً، تكشف مصادر مقرّبة من الجماعات «الجهادية» في الجرود لـ«الأخبار» عن خيارٍ تضعه «النصرة» في سُلّم أولوياتها، وإن كان في آخره، يتمثّل بمحاولة اقتحام عرسال خلال أيام. وبحسب هذه المصادر، «يبدو أن الصراع بين جبهة النصرة وعناصر الدولة الإسلامية في القلمون سيُحتّم على النصرة اللجوء إلى عرسال مُكرهة في القريب العاجل».
وردّاً على استفسار مفاده أنّ «النصرة» سبق أن أعلنت أنّ دخول عرسال كان خطيئة لن تتكرر، تقول المصادر: «الجبهة ترى دخول عرسال شرّاً، لكن لا بدّ منه. الدولة والحزب يجبراننا على الدخول إلى لبنان». وإذ تشير إلى أنّ «النصرة دخلت عرسال مُكرهة بعد اقتحام مسلّحي الدولة البلدة»، تعتبر أن «إعلانها سابقاً أن دخول عرسال كان خطأً، جاء يوم كان مسلّحو الدولة تحت جناحها والهدوء يعمّ الجرود، لكن النار تستعر الآن فيها وإخوة الأمس يقاتلونها اليوم وليس في يدها حيلة». وعمّا قريب، ستُصبح «النصرة» محاصرة من كافة الجهات. سيُطبق الجيش السوري وحزب الله حصارهما من ثلاث جهات: جنوباً من ناحية جرود نحلة، وشمالاً في المساحة الممتدة من جوسيه وتلة نعمات وشرقاً لجهة جرود فليطة والجراجير. فضلاً عن أن منطقة الجرود، الموازية لرأس بعلبك اللبنانية، والتي تُعتبر المنفذ الوحيد إلى الداخل السوري، تقع تحت سيطرة مسلّحي «الدولة الإسلامية»، العدو اللدود لـ«النصرة»، علماً بأن معلومات تتردد أنّه «لم تحصل أي مواجهة بين حزب الله والجيش السوري مع تنظيم الدولة الإسلامية حتى الآن على طول الجرود الموازية لرأس بعلبك التي تُعرف بوادي ميرا».
أما عرسال، فستكون الجهة الأخيرة في الكمّاشة المطبقة على «النصرة»، والتي ينتشر على طولها جنود الجيش اللبناني. غير أنها، بحسب المصادر، تُعدّ «خاصرة رخوة» ستجذب مسلّحي الجرود إليها. وإزاء ذلك، تُكمل المصادر، «إن لم يجر اتّفاق على انسحاب المسلّحين في اتجاه الداخل السوري، ستجد النصرة نفسها أمام الخيار الصعب وهو دخول عرسال».
لا يمكن مسلحي «النصرة» الصمود
في الجرود أكثر من شهر واحد
ومن بين الأسباب التي ستُحتِّم ذلك، بحسب المصادر نفسها، «افتقاد عناصرها لخط إمداد السلاح وبدء نفاد الذخيرة، مع ما يعنيه من عدم قدرتها على الصمود طويلاً واضطرارها إلى الانسحاب إلى الداخل اللبناني أو الموت المحتّم». ويُنقل عن أحد قياديي «النصرة» الميدانيين: «إن الفترة التي يمكن أن نصمد فيها في الجرود لن تتخطى شهراً واحداً كحد أقصى». وبحسب هذه المصادر، يعوّل عناصر «النصرة» على أن «الشارع السني» لن يقبل بقصف بلدة عرسال السنية. وبالتالي، سيؤدي ذلك إلى خلق حال من التوتر المذهبي على المدى البعيد. وتلقائياً، سيتحوّل أبناء عرسال دروعاً بشرية لدى المقتحمين، ما سيجعل فرصتهم بالمفاوضات أقوى.
غير أن هذا السيناريو الذي تؤكد المصادر أنه واقع لا محالة إن لم تجر على تسوية على الانسحاب، ترى مصادر «جهادية» أخرى أن دونه عقبات كبيرة. وبحسب هذه المصادر، «هذه المحاولة لن تكون سهلة، لكونها قد تستجلب الحزب إلى عرسال». إذ تأخذ «النصرة» في الاعتبار أن «الجيش اللبناني، على عكس المرة الماضية، سيحاول بشراسة منع الإخوة من الدخول إلى عرسال. وبالتالي، إن دخول البلدة سيتطلب ساعات أو أياماً. وبالتالي، ما الذي سيمنع مقاتل حزب الله من ارتداء لباس الجيش والدخول إلى قلب عرسال للقتال نيابة عنه؟».
وسط السيناريوهات المطروحة، يبقى السؤال الأبرز عن سبب انهزام مسلّحي «النصرة» السريع أمام هجوم حزب الله من دون جواب مُقنع. فقد بدا كأن المسلّحين لم يثبتوا في مراكزهم وتقهقروا سريعاً أو أنّه لم تكن لديهم النية القتالية، علماً بأن جغرافيا مسرح المعركة تصب في مصلحة المدافع وليس المهاجم. والتبريرات التي تسوقها المصادر تتلخّص في سببين: «الأول تضعضع صف المجموعات المقاتلة بعد خيانة «الدولة»، والثاني عدم القدرة على الإمداد بالسلاح». ماذا عن ورقة العسكريين المخطوفين؟ تردّ المصادر بأنّها «ورقة ضغط ستُستخدم في الوقت المناسب». وبالنسبة إلى التقدم في المفاوضات، كما يُنقل عن مدير الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، تقول المصادر إن «عناصر الجبهة أبلغوا أهالي العسكريين أنه لا وجود لأي مفاوضات».
تقدم في جرود فليطة
لا زالت معارك القلمون محتدمة بين المقاومة والجيش السوري من جهة، ومسلحي «جيش الفتح ــــ القلمون» من جهةٍ أخرى. العمليات التي تتخذ طابعاً موضعياً ومحدوداً على خط الجبهة للجهة السورية، شهدت تقدماً لصالح المقاومة والجيش في جرود فليطة في القلمون السوري. التقدم الجديد جاء بعد السيطرة على عدة تلال ومرتفعات أهمها «قرنة المش» و»قرنة شعبة الحنكل» و»الحميدية» و»قرنة النجاصة المباركة». وفي المقابل تكبّد «جيش الفتح» خسائر بشرية فادحة بحسب مصادر ميدانية. وأوضحت المصادر أن المسلحين انسحبوا في اتجاه جرود بلدتي الجراجير السورية وعرسال في لبنان مخلفين وراءهم 3 آليات مدمرة محملة برشاشاتٍ ثقيلة. وفي السياق، سيطر الجيش السوري والمقاومة أيضاً على «حرف جب اليابس» و»قرنة شعاب النصوب» و»قرنة شميس الحصان الاستراتيجية» المشرفة على أغلب طرقات ومعابر المسلحين بين جرود الجراجير وجرود فليطة في القلمون.
على صعيدٍ آخر، لا زالت حرب «الإلغاء الجهادية» قائمة في القلمون، وجديدها اطلاق «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام ــــ جبهة النصرة» سراح 27 مسلحاً من تنظيم داعش بحجة عدم تورطهم بـ»دماء المسلمين» كما أورد حساب «مراسل القلمون» التابع للجبهة على موقع التواصل الإجتماعي «تويتر».
«داعش» يهدر دم «أبو طاقية» ويهدد بقصف عرسال
لم يسلم الشيخ مصطفى الحجيري الملقّب بـ«أبو طاقية» من أذى تنظيم «داعش». فقد أطلق مسلّحون ينتمون إلى التنظيم المذكور الرصاص على المسجد التابع له في عرسال. وتلقّى الحجيري تهديدات بالقتل لاتّهامه بالعمالة لـ«النظام اللبناني» وبوصفه «أحد رموز صحوات السنّة». لم يكتف التنظيم المتشدد بذلك، بل عمد مناصروه إلى التهديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي بقصف عرسال بسبب وجود متآمرين فيها على المجاهدين.