IMLebanon

«النصرة» على خطى «داعش»

ميزت «جبهة النصرة» لأهل الشام (التابعة لتنظيم القاعدة)، بعد خلافها مع تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، نفسها عن الاخير بالابتعاد عن التدخل في حياة المواطنين اليومية، وزعمت انها جاءت لنصرتهم لا لاضطهادهم وقهرهم.

غير ان الوقائع على الارض، وبخاصة في الأشهر الأخيرة، جاءت على الضد من هذا الادعاء، فقد بينت ممارساتها انها لا تختلف عن «داعش» إلا في التفاصيل والجزئيات لا غير. فقد بدأت بتغيير سلوكها العسكري بالاستحواذ على «غنائم» المعارك مع قوات النظام من أسلحة وذخائر ووقود ومواد غذائية وآبار نفط بداية، ثم بالعمل على السيطرة على القرار العسكري في المناطق التي تتعدد فيها الكتائب المقاتلة، وختمت بشن هجمات على مواقع الكتائب الاخرى وتصفيتها او طردها.

وهذا ما تم في أكثر من موقع إن في الجنوب، ريفي درعا والقنيطرة، حيث قامت يوم 3/5/2014 باعتقال قائد المجلس العسكري في درعا العقيد احمد النعمة ومعاونيه، كما اعتقلت كلاً من العقيد الطيار أيسر الخطبا (قائد لواء ميزان الثورة) وخالد الشرع (قائد كتيبة الأمير حمد) وموفق العتيلي (قائد كتيبة أنصار السنة) على خلفية مشاركتهم في تشكيل «جبهة ثوار جنوب سورية» في ريف درعا الغربي، واحالتهم الى هيئتها الشرعية بتهمة الخيانة، كما شنت هجوماً على «لواء شهداء اليرموك» بذريعة تنفيذ حكم «محكمة دار العدل» التابعة للهيئة الشرعية في درعا.

وقامت، بالاشتراك مع عناصر من «حركة احرار الشام»، بالهجوم على «جبهة ثوار سورية» المنتشرة في ريف ادلب وقتلت من قتلت من المقاتلين واستولت على مقراتها وأسلحتها واضطرت الجزء الأكبر منهم الى الفرار باتجاه حلب او الأراضي التركية. كما هاجمت قرية كوكبة (ريف إدلب الجنوبي الغربي) وطلبت من المقاتلين تسليم أنفسهم وأسلحتهم، ولما رفضوا وهرب معظمهم اعتقلت المتبقين (13 مقاتلاً من اهل القرية) واعدمتهم رداً على مقتل عنصر من عناصرها في الاشتباك.

كما اشتبكت مع «حركة حزم» في جبل الزاوية واستولت على ما لديهم من صواريخ «تاو» الاميركية، فأحكمت سيطرتها على ريف إدلب بالكامل. وهاجمت فصائل في ريف حمص/الرستن، واعتقلت حسن الأشتر وخالد دعاس من قادة «الجيش الحر» ونشرت مسلحيها في شوارع المدينة. وآخر بركاتها العسكرية ذبح عسكريين لبنانيين كانت خطفتهم في هجومها على منطقة عرسال في البقاع اللبناني.

لم تكتف بذلك بل طورت سيطرتها وتوجهت الى المدنيين وبدأت بالضغط عليهم وعلى حياتهم الشخصية بذريعة تطبيق «شرع» الله واصدار احكام ضد المخالفين عبر المحاكم والهيئات الشرعية التي شكلتها في تلك المناطق. فقد باشرت منذ بعض الوقت بالتدخل في تصرفات المواطنين في مناطق سيطرتها بدءاً بمنع التدخين مروراً بمعاقبة كل من يشتم الذات الإلهية او الذات المحمدية، وملاحقة الاعلاميين واتلاف الصحف المعارضة، وخطف عمال الإغاثة من الاجانب، كما في حالة الاميركي والايطاليتين. فقد بثت مقطع فيديو على شبكة التواصل الاجتماعي يصور تنفيذ حكم الجلد ضد معتصم عبدالكريم من بلدة اللطامنة/ريف ادلب لأنه قال: «يلعن دين الكهرباء» خلال احتجاجه على قيام عناصر تتبع الجبهة بإزالة مخلفات للكهرباء، علماً ان الحكم الاول كان «الردة» قبل ان يستتاب وإلا اعدم، كما أقامت حد الجلد على رجل في بلدة دارة عزة/ريف حلب، بتهمة التشهير والقذف، وفرضت الحجاب على النساء ومنعت تحركهن من دونه حيث عمدت الى انزال غير المحجبات من سيارات النقل العام، وبدأت بمطاردة نساء متهمات بممارسة الدعارة وأعدمت اثنتين منهن رمياً بالرصاص، ونشرت العملية على مواقع التواصل الاجتماعي، علماً ان حكم الزنا في الاسلام الجلد مئة جلدة كما قضت بذلك الآية الكريمة «والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة» (سورة النور:2).

كما اقدمت على تفجير مقام الامام النووي في بلدة نوى/ريف درعا، واقتحمت قرية القنية المسيحية في ريف ادلب واحتجزت الأب حنا جلوف راعي كنيسة مار يوسف واربعة من معاوينه، ومنعت اقامة الشعائر الدينية ما لم تغط الصلبان. وأخيراً اقدمت على مهاجمة قريتي معرة حرمة وحيش، وبلدة سراقب في ريف ادلب واعتقلت عدداً من سكانها وأحالتهم على الهيئة الشرعية بعد خروج تظاهرات فيها تندد بالجبهة وتطالبها بالخروج.

فسر بعض المعلقين هذه الممارسات بهيمنة تيار متشدد على الجبهة، عناصره من السعوديين والاردنيين، وربط آخرون بين هذه الممارسات وسعي الجبهة الى اقامة امارة اسلامية في مناطق سيطرتها في رد على اقامة «داعش» لدولة الخلافة. تفسير ممكن لكنه لا يلغي ان التوجه الى الهيمنة والسيطرة والقمع باستخدام القوة سلوك تلقائي للجماعات «الجهادية»، وما سلوك كتائب «الجبهة الاسلامية» و «جيش الاسلام» بقيادة زهران علوش في الغوطة ببعيد.