مع انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تجدّد السجال حول موضوع الحدود والتهريب، وكثر في الأيام الأخيرة الحديث عن المعابر غير الشرعية، والتهريب عبر الحدود اللبنانية – السورية، في ظلّ تغييب الإشارة إلى العلاقات بين البلدين وضرورة إعادة النظر بشأنها. هذا الأمر تطرّق إليه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في كلمته أول من أمس، مؤكداً أن أي حديث جدي عن حلّ للمعابر غير الشرعية مرتبط بترتيب العلاقات بين لبنان وسوريا.
يذكّر متابعون لهذا الملف من المؤيدين لعودة العلاقات بين البلدين بأن هناك معاهدة تجمع بينهما تنبثق منها اتفاقيات تجارية وزراعية وغيرها الكثير من شؤون تقتضي التنسيق المشترك بين بلدين متداخلين جغرافياً. لكن عند كلّ إثارة للموضوع، وغالباً مع كلّ تشكيل لحكومة جديدة، كان يظهر الفرق كبيراً بين متحدّث عن علاقات ثنائية يطلق مواقف سياسية كيدية غالباً ما تكون متماهية مع شروط المجتمع الدولي ويحذّر مرة من التهريب ومرات من التواصل، وبين جهات خبرت عن قرب مفهوم العلاقة وحاجة لبنان اليها او صعوبة انفصاله عنها.
بالطريقة نفسها يتعامل السياسيون في لبنان مع مسألة التهريب على الحدود، فتكاد تكون كقميص عثمان، الذي يتناولونه من باب الإدانة للطبقة السياسية الموالية لسوريا، علماً أن عمر التهريب عبر الحدود يعود الى سنوات طويلة خلت وهو ليس وليد ساعته. بين لبنان وسوريا معابر ترابية على امتداد الحدود من البقاع الى الشمال، فئات اجتماعية مختلفة تستفيد منها وليس فئة سياسية او طائفة بعينها. وهذا ما يرى فيه المتابعون “مبالغة وسوء توصيف للواقع، المقصود منه اهداف سياسية اكثر منها ايجاد حل عملي وغايته تظهير عورات الحكومة وتعريتها امام المجتمع الدولي وقد دخلت في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي”.
خلال واحدة من زياراته حمل دايفد ساترفيلد إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مسودة بنود فيها توصيف للواقع بين لبنان وسوريا كان من بينها الحديث عن الحدود بين البلدين والتهريب، ليقول له سلامة: “مثل هذا الموضوع يطرح عادة مع الحكومة بوصفها الجهة المسؤولة وليس معنا”.
تنسيق مستمر
بالنسبة إلى المتابعين، يتجاهل كثيرون أن “التنسيق بين البلدين استمر قائماً من خلال المجلس الاعلى اللبناني السوري ومن خلال اتفاقيات موقعة تفترض مثل هذا التنسيق، وفي كل مرة يجد لبنان نفسه مأزوماً في تصريف انتاجه الزراعي كان يلجأ الوزراء الى نظرائهم في سوريا حتى في عز الأزمة بين البلدين”. لذا يجب “مقاربة الموضوع بعقلانية وموضوعية بعيدة عن الكيديات السياسية والنرجسية اللبنانية التي تعتقد أن ما يحصل تستفيد منه سوريا ولا يستفيد منه لبنان، فأين كان هؤلاء يوم كان التهريب من سوريا الى لبنان حيث جنى تجار المازوت آلاف الدولارات”.
في هذا الإطار تأتي كلمة نصرالله أمس لتعيد تصويب النقاش. كان يمكن لـ”حزب الله” ان يثير موضوع الحدود والعلاقة مع سوريا مباشرة مع رئيس الحكومة حسان دياب، لكن الموضوع من وجهة نظر “الحزب” لا يقارب بهذا الشكل، اذ ليس صحيحا أن الحكومة حكومته ويستطيع ان يمون عليها كيفما شاء، وما قصده نصرالله هو تقديم مقاربة مختلفة للموضوع، جدية وعقلانية. لم يكن هدف الدعوة للتوجه الى سوريا الرد على إثارة توسيع صلاحيات اليونيفيل ونطاق عملها. في كل مرة يحين موعد التجديد للطوارئ يتجدد الحديث عن تعديل المهام او الجغرافيا ويتم العمل عليه خفية في المحافل الدولية، وبالموازاة يطرح موضوع التهريب عبر الحدود.
يعرف “حزب الله” ان القطبة المخفية لا تكمن في تهريب المازوت او المواد الغذائية أو غيرها وانما منع دخول سلاح وصواريخ الى “حزب الله”، وهذا أمر غير ممكن وكان لا بد من قطع الطريق على اثارة مثل هذا الموضوع وهذا ما هدف اليه نصرالله. فإذا كان الهدف تطويق “حزب الله” فالأمر منته.
أما في خلفية حث الحكومة على الانفتاح على سوريا فهذه قناعة جدية قائمة لدى “حزب الله” الذي يحاول بعض الجهات السياسية تحميله مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي، علماً ان الازمة هذه أسبابها متشعبة وأهمها ارتفاع سعر صرف الدولار، كان الخيار الطبيعي امام الحكومة الذهاب للإستدانة من صندوق النقد الذي له شروطه السياسية، وبالتالي فقد لا يكون هذا هو الخيار الامثل.
ما حاول نصرالله قوله إن الأزمة أعمق ولا خيار واحداً لحلها، قد يكون صندوق النقد واحداً من الخيارات فيما يمكن السعي لفتح اسواقنا نحو العراق عبر سوريا لتصريف انتاجنا الزراعي والصناعي. ويمكن لـ”حزب الله” ان يساعد في هذا المجال لما فيه مصلحة لبنان.
منذ اندلاع الأزمة، يلاحظ “حزب الله” أنه يتم التعاطي مع فكرة الحوار مع سوريا من باب ان النظام ساقط لا محالة ولننتظر النظام البديل. لكن بيّنت الايام ان النظام لا يزال صامداً ولم يسقط فكانت وجهة النظر ان التعامل معه يعتبر اعترافاً وقد يعرض البلد لعقوبات اقتصادية. حين فتحت سوريا باب الاعمار سارع الجميع لحجز حصته في تقاسم الكعكة الى ان حظرت اميركا عبر “قانون قيصر” الاستثمار الذي لم تعد حظوظه قائمة اليوم كما كان في السابق.
واذا كانت التسوية الرئاسية في عهد حكومة الرئيس سعد الحريري حالت دون التوجه الى سوريا فـ”حزب الله” يعرف ان الظروف لا تزال نفسها والموانع أيضاً، ولو كان القرار عائداً له لأقدم من دون مشورة، لكن ما قصده السيد نصرالله هو تحضير المسرح ولفت النظر الى ضرورة المبادرة لان المركب اذا غرق فلن ينجو منه احد، وحين تنهار العملة اكثر فالبلد معرض للانهيار بكل مكوناته السياسية والهدف محاولة البحث عن مخارج، قد يكون منها التوجه شرقاً باتجاه العراق عبر سوريا وكلما كبرت الازمة صارت الحاجة اكبر.
المسألة رهن قرار شجاع تتخذه الحكومة اللبنانية لا سيما وان سوريا وفق المطلعين على موقفها تعتبر ان معالجة موضوع الحدود يلزمه تنسيق بين الحكومتين. وبالنظر الى طبيعة تفكير رئيس الحكومة حسان دياب فقد لا يكون الامر مستبعداً في اللحظة المناسبة، وتقول اوساط مواكبة ان رئيس الحكومة حين يجد، بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، ان مصلحة لبنان تقتضي الذهاب الى سوريا فسيبادر الى الخطوة ولا عقدة لديه حول هذا الامر.