Site icon IMLebanon

دعوة «جريئة» لنصرالله لضمّ لبنان إلى «الممانعة»!؟

 

توقّف قيادي معارض أمام آخر خطابات الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي حمل دعوته الى التنسيق مع الحكومة السورية لمعالجة معابر التهريب وضبط الحدود اللبنانية ـ السورية، مشدداً على الفصل بينها وبين تلك التي تستخدمها المقاومة في الانتقال بين البلدين. وهو ما شَكّل في نظر البعض أول دعوة «جريئة» لضَم لبنان الى محور الممانعة. فهل سيكون ذلك ممكناً؟ وما هي المحاذير والأثمان؟

ليست المرة الأولى التي يدعو فيها السيد نصرالله الى إحياء العلاقات بين لبنان وسوريا وإعادة ترميمها بمعزل عن توجهات الدول العربية التي أخرجت سوريا منذ خريف العام 2011 من جامعة الدول العربية وهيئاتها وأجهزتها الإقليمية. وهو أمر ادّى الى قراءة داخلية لبنانية عَبّر عنها قيادي بارز في المعارضة، محذّراً من اي خطوة رسمية تشكل ترجمة لها. فهو ينظر الى هذه الدعوة من زوايا مختلفة يمكن الإشارة إليها في الشكل والمضمون والتوقيت، معتبراً أنها جاءت نافرة لمجرد صدورها في مرحلة دقيقة تزامنت مع بدء الحوار مع صندوق النقد الدولي الذي يطالب من ضمن سلسلة شروطه وملاحظاته المسبقة بوضع حد لعمليات التهريب على الحدود اللبنانية – السورية تمهيداً لضبط الوضع الإقتصادي ومعالجة الازمة النقدية، وعلى عتبة المشاورات الجارية في مجلس الأمن الدولي للتمديد لقوات الامم المتحدة (اليونيفيل) ومصير القرارات الدولية، ولا سيما منها القرارين «1559» و»1701»، عدا عن العوامل الأخرى التي يمكن التوسع في شأنها على اكثر من مستوى داخلي وإقليمي ودولي.

 

وقبل النظر في الظروف التي أملت على السيد نصرالله توجيه مثل هذه الدعوة اليوم، يُشار الى انه سبق له ان أطلق مثيلات لها في أكثر من مناسبة وفي محطات عدة تُقاس بمراحل استعادة النظام السوري سيطرته على «سوريا المفيدة» مدعوماً بالقوّتين العسكريتين الروسية والإيرانية وحلفائهما. وعند إجراء الجردة الطبيعية لمسلسل هذه الدعوات، يستذكر القيادي المعارض تلك التي سبقت وتَلت زيارات قام بها عدد من الوزراء اللبنانيين في الحكومة السابقة برئاسة الرئيس سعد الحريري والحالية برئاسة حسان دياب، والذين يمثلون «الثنائي الشيعي» و»المردة» و»الحزب الديموقراطي اللبناني». هذا عدا عن الدعوة التي وجّهها وزير الخارجية في الحكومة السابقة رئيس «لتيار الوطني الحر» جبران باسيل من منبر مؤتمر وزراء الخارجية العرب في 9 تشرين الأول 2019 الى نظرائه العرب لاتخاذ «قرار فوري» باستعادة سوريا مقعدها الفارغ في الجامعة العربية منذ 7 سنوات. وهي الدعوة التي كانت لها ردات فعل سلبية، ليس أقلها أنها جاءت لتعطّل مفاعيل «المؤتمر الدولي للإستثمار في لبنان» الذي نظّمته دولة الامارات العربية المتحدة في ابو ظبي قبل 3 ايام للبحث في دعم فوري للبنان بـ3 مليارات دولار عدا عن مجموعة مبادارت نفطية واستثمارية سعودية واماراتية وكويتية أخرى فتَبخّرت قبل أن يجفّ حبرها.

 

وعليه، يرى القيادي المعارض انه وبمعزل عن الظروف التي أملت الدعوات السابقة الى ترميم العلاقات مع سوريا، فإنّ دعوة اليوم تشكّل أول «خطوة جريئة» للامين العام لـ«حزب الله»، وهي لا تشبه سابقاتها لا تلك التي وجّهها شخصياً او تلك التي سبقت الإشارة اليها. وأضاف: «هي دعوة جاءت في مرحلة تختلف عن كل المراحل السابقة التي رافقت تطورات الأزمة السورية وتلك التي عاشَها لبنان طوال السنوات الماضية، وهي المرحلة التي بوشِر باحتسابها منذ صدور قرار وزراء الخارجية العرب في ختام اجتماعاتهم في القاهرة في 12 تشرين الثاني 2011 وقضى بتعليق مشاركة سوريا في اجتماعات مجلس الجامعة وكل المنظمات والأجهزة التابعة اعتباراً من 16 من الشهر عينه، والتي تم تحديد موعد اعادة النظر بها «إلى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها وتوفير الحماية للمدنيين السوريين». من دون أن ننسى انها جاءت مُرفقة بمجموعة من العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد الحكومة السورية ودعوة الدول العربية الى سحب سفرائها وإبقاء المجلس في حالة انعقاد، على أن تتم دعوة جميع أطراف المعارضة السورية للاجتماع في مهلة 3 أيام لينظر المجلس في نهايتها في إمكان الاعتراف بالمعارضة السورية ممثّلاً شرعياً للدولة السورية في مجلس الجامعة.

 

ولم يَرد القيادي المعارض أرشفة او تأريخ العلاقات ما بين سوريا والجامعة العربية خلال السنوات الأخيرة وموقف لبنان منها، بل أراد من خلالها إلقاء الضوء على الجديد المختلف في تطورات الأزمة السورية وما بلغته المواجهة بين محور «الممانعة» و»التحالف الدولي ضد الارهاب» اللذين يخوضان المواجهة في سوريا، وإجراء قراءة جديدة لأهمية الدعوة اليوم من خلال مجموعة من الملاحظات وابرزها من ناحيتين سورية ولبنانية:

– على المستوى السوري: فقد تغيّرت امور كثيرة في سوريا انعكست على مجرى الأزمة فيها. واختفى كثر من أطراف النزاع على اراضيها وخصوصاً المعارضين منهم، وتبدّلت المواقع واستعاد النظام سيطرته على ما يزيد من 65 % من المناطق الآهلة من السوريين، وغابت وجوه وأحزاب وقوى مسلحة ومدنية ومعها دول عربية مؤثرة، وباتت الامور على عاتق قوى اقليمية ودولية أساسية أربع تدير شؤون السوريين من موسكو وطهران وانقرة وواشنطن، وسط الاعتقاد بأنّ سوريا اليوم هي في عهدة ما تقرره موسكو اولاً، وهي ستحتفظ بالنظام من أعلى الهرم الى آخر مؤسساته.

– أمّا على المستوى اللبناني فقد استوَت طبخة «حزب الله» اللبنانية بعد السورية، وهو الذي بات يُمسك، بعد حلفه مع رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» والحلفاء السابقين والجدد، بالوضع الحكومي كاملاً. وهو من يحدّد الخيارات والإستراتيجيات الكبرى للحكومة. فلولا إشارته الإيجابية لَما انطلق الحوار مع صندوق النقد الدولي بعد هندسة الورقة الإقتصادية التي بَنى فيها ما أراده من أرقام وقراءات لحجم الدين، وهو يسعى الى تحديد المسؤولين عنه من دون أن يشاطره أحد في تحديد هوياتهم. وما حملته على حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف سوى من الأدلة الدامغة على انتصار نظريته المالية والنقدية بعد السياسية والحكومية.

 

وبناء على ما تقدّم، ومن دون الغوص في كثير من العوامل التفصيلية، ينتهي القيادي المعارض الى اعتبار دعوة نصرالله الأخيرة وكأنها الأولى من نوعها لضَم لبنان الى «محور الممانعة» من دون القدرة على تقدير أكلافها وما يمكن ان تعكسه من زيادة العقبات في المفاوضات الجارية مع صندوق النقد وحاملي سندات اليوروبوندز والدول والمؤسسات المانحة التي سعى لبنان الى استعادة ثقتها. فسوريا في رأي السيد نصرالله وحلفائه، بجغرافيتها وموقعها وإمساكها وحيدة بالحدود البرية للبنان، باتت في نظرهم الطريق الإجبارية لمعالجة الأزمة الاقتصادية والنقدية بعيداً من الرهانات الأخرى على اي من الدول والصناديق والمؤسسات المانحة والأصدقاء المفقودين. وكل ذلك ممكن في رأيهم للخروج من المأزق في انتظار استعادة المليارات «المنهوبة» و»الموهوبة» والانتقال من «الإقتصاد الريعي» الى «الاقتصاد المنتج»، ولو استغرق الأمر سنوات عدة.