لم تنتظر حكومة الرئيس حسان دياب خطابات الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله لتُثبت أنها ليست حكومة إختصاصيين مستقلة، بل إن تصرفاتها المتتالية دلت على أنها حكومة لا تلبي تطلعات الشعب الثائر.
وما يدعو للإستغراب أكثر، أن تلك الحكومة لا تتردّد لحظة في تنفيذ ما يتلو نصرالله عليها من أحكام، بل إنها في اليوم التالي تبدأ تنفيذ أوامر من تسمّيه المعارضة “المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية”.
وفي السياق، لا بدّ من استعراض ما يُطالب به نصرالله في خطاباته وكيف تسارع الحكومة إلى العمل به، وهذه الطلبات بدأت منذ نيل حكومة دياب الثقة.
بدايةً، ومنذ أن انطلقت جائحة “كورونا” في العالم وتحوّلت إيران إلى بؤرة لإنتشاره، تعالت صرخات اللبنانيين الداعية إلى وقف الرحلات مع كل البلدان التي تشهد انتشاراً لهذا الفيروس وليس إيران فقط، لكن الحكومة كانت ترفض هذا الأمر، كما أن بعض الوزراء ثارت ثائرتهم على وسائل الإعلام التي دعت إلى إعلان الطوارئ الصحية وإلتزام المواطنين المنازل، وبعد أن خرج نصرالله بخطابه الشهير معلناً الحرب على “كورونا” وحالة الطوارئ، إجتمعت الحكومة في اليوم الثاني وأعلنت التعبئة العامة وإقفال المطار ووقف الرحلات الخارجية.
الأمر الثاني والأهم هو عودة المغتربين، فبعد إقفال المطار لم يستطع عدد من اللبنانيين العودة بسبب الظروف، وطالبوا الدولة اللبنانية بإجلائهم، فرفض دياب بادئ الأمر، لكن عندما طلب نصرالله هذا الأمر بدأت رحلات العودة للمغتربين.
الأمر الثالث والأساسي كان التفاوض مع صندوق النقد الدولي، حيث كانت إتهامات “حزب الله” بأن هذا الصندوق هو “إمبريالي” وهو إستعمار مقنع، وبعد أن طلبت إيران مساعدة الصندوق بخمسة مليارات دولار لمواجهة “كورونا”، أطل نصرالله بأحد خطاباته معلناً اننا “لم نقل إننا نرفض التفاوض مع صندوق النقد، فإذا التفاوض لصالح لبنان فليكن”، وفي اليوم الثاني سُمح لحكومة دياب إنطلاق رحلة التفاوض مع “الصندوق”. أما الأمر الرابع في مسيرة تلبية الحكومة لكل موجبات خطابات نصرالله، فهو إطلاق حربه على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصارف، عندها، وبما أن هذه النقطة مهمة لنصرالله خصوصاً أنه يهاجم المصارف في كل خطاباته، فقد تولاها دياب شخصياً مطلقاً الحرب على سلامة والمصارف وحاول إقالة الحاكم، لكنه فشل بسبب الرفض الكبير لهذه الخطوة التي تدخل لبنان في المجهول، والإحتضان الكنسي لسلامة والمخاوف من الإنقلاب على النظام الليبرالي الحرّ، في حين أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم سارع إلى التدخل لإيجاد حل لقضية صغار المودعين التي طالب نصرالله بحلها فكان التعميم رقم 148.
وفي كل إطلالة لنصرالله كانت هناك مطالب، ففي وقت كانت موجة الغلاء تجتاح البلاد والدولار يرتفع، كان يجب على وزارة الإقتصاد والوزير راوول نعمة وكل أعضاء الحكومة التحرّك، وليس انتظار خطاب نصرالله الذي تحدث عن ضرورة قيام وزارة الإقتصاد والوزارات المعنية بضبط الأسواق، وفي اليوم التالي سارع نعمة إلى عقد إجتماعات في وزارته من أجل ملاحقة التجّار وضبط الأسعار من دون أن توصل كل إجتماعاته إلى نتيجة تذكر. كل تلك الأمور التي يطالب بها نصرالله وتسارع حكومة دياب إلى تنفيذها فوراً تبقى ضمن إطار المعقول، خصوصاً في ما يتعلّق بالشأن الحياتي، لكن الأخطر هو ما حصل بعد آخر خطاب لنصرالله حيث أعلن الحرب على قانون “قيصر”، ودعا الحكومة إلى التوجّه شرقاً نحو إيران والصين للإستغناء عن الدولار الأميركي، وبذلك يكون قد سجل هدفاً كبيراً في مرمى الإقتصاد الحرّ وضرب النموذج الليبرالي اللبناني، وقضى على آخر مداميك الإستقرار عرّض لبنان لمزيد من عقوبات لا تتحملها الصين وإيران أصلاً.
لكن المفاجأة كان إجتماع الحكومة في اليوم الثاني، وخروج وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بعد انتهاء الجلسة لتؤكّد أن مجلس الوزراء كان مجمعاً على موضوع توجه لبنان إقتصادياً نحو الشرق، على أن نكون منفتحين على الجميع بكل ما يخدم مصلحة البلد.
لم تخجل عبد الصمد من تردادها باسم الحكومة ما قاله نصرالله حرفياً، وأثبتت بالقول والفعل أن نصرالله هو من يرسم سياسات الحكومة والوزراء يبصمون على الإستراتيجية الكبرى والخطوط العريضة، وفي السياق، تشير مصادر معارضة لـ”نداء الوطن” أن التصرفات تبرهن أن الحكومة تعمل بإمرة نصرالله، ولا شيء يدعو للتعجب، وكل ما يحاول أن يظهره دياب من إستقلالية تمحوه تصرفاته، وبالتالي فقد سقط القناع.
وترى المصادر أن ذهاب الحكومة إلى خيارات نصرالله وتبنيها والعمل بموجبها، هو إنقلاب على الدستور اللبناني ويؤكد أن لا وجود للمؤسسات بل هناك سلاح يحكم اللعبة المؤسساتية وينفذ ما يحلو له ويعبث بمصير شعب بأكمله.
وتشدد المصادر على أن خيار التوجه شرقاً هو إنتحار، فأصلاً الدول المعنية بهذا التوجه مأزومة وتعاني من عقوبات ووضعها الإقتصادي ليس جيداً، فكيف تستطيع مساعدتنا، ولماذا تريد الحكومة أن تعرّض لبنان إلى مزيد من العقوبات؟