IMLebanon

السيّد حسن والبطريرك عريضة

 

نعم… «ويـلٌ لأمَّـة تأْكلُ مـمَّا لا تزرع…»

وفي الويلِ، لا بـدَّ من العودة إلى الأرض والترابُ في الأرض المباركة يتحوّل إل ذهب.

سهلُ البقاع، كان يـؤمِّن الغـذاء للسلطنة العثمانية ورعاياها…

وقائدُ إحدى الحملات الصليبية «بلدوين»، جَذَبَـهُ سهلُ البقاع عن محاصرة القدس فحاصر مدينة بعلبك وأبى إلاّ أنْ يتموَّن بثلث الغلال من البقاع.

ولبنان تاريخياً، مع أوائل القرن التاسع عشر كان يتميّز بتربية «القـزّ» زراعةً وصناعةً، ويرْفُـل بأثواب الحرير… ومنذ ذلك الحين لا يزال ينام على الحرير التاريخي، ويستلقي في سهل البقاع على فراش العشب ويتقلَّب على فراش الجوع.

السبب في هذا الإنقلاب الزمني، أنّ لا زراعة ولا صناعة ولا اقتصاد ولا مال ولا أعمال… بلا دولة…

ولا دولة ولا حكم ولا سلطة ولا حكومة.. بلا رجال دولة…

ولا يكون رجالُ دولة وحكّام ومسؤولون وسياسيون.. بلا عفَّـةٍ وضمير ونظافة كـفّ، ودستور إسمُـهُ الأخلاق…

وإلاّ… «وفي السماءِ رزقكُمْ وما توعَدون..»(1)

في الثورة الفرنسية، عندما راح الثوار يجتمعون على صراخ تحيا الأمّـة، قال أحد قادتها: «ينبغي على الشعب ألاّ يثـور للحصول عل السكّر، بل لتحطيم اللصوص… البلاط مصنعٌ للجريمة..»

والثورة لم تنتصر بالسكّر، ولا تزدهر أيُّ زراعـةٍ أوْ صناعة ، فيما البلاط مصنعٌ للجريمة.

في الملمّات الفواجع، وحين تفسد الطبائع، يبرزُ دورُ رجالِ الدين المتنوّرين في الإلتفاف حول خيرات الطبيعة الأمّ…

البطريرك أنطون عريضة شـنَّ حربـاً عارمةً في الثلاثينات على المفوض السامي الفرنسي، وعلى الحكومة التي تأْتمـر بأمـره، بسبب مشروع الإحتكار الفرنسي لصناعة التبغ وزراعته، بما يشكّل من ضـررٍ بالغ على المزارعين في الجنوب، وأبى إلاّ أنْ يتحقّق استقلال معامل التبغ الوطنية والتي تجسّدت لاحقاً في شركة الريجي.

وهكذا أحسن السيد حسن في الملمّات المشابهة بأنْ أَطلق الجهاد الزراعي والصناعي، حين سُـدَّتْ أبوابُ الدعم والإرتزاق والإستجداء، والخزينة يـرنّ فيها الصدى، والفلوس تكدّست في خزائن اللصوص.

الفارق بين عهد الإنتداب الأجنبي والإنتداب الوطني، أنّ البلاد اليوم تلامس عتَبـات الإنهيار السحيق، وعتبات اليأس المطلق، واليأس المطلق هو الموت البطيء والإنتحار.

العلاج الذي اقترحه السيد حسن نصرالله يستكملُ مفاعيلَهُ بما أعلنه ثاني الحسنـين: حسن فضل الله بقوله: «إنّ ثـمّة مستندات لو تـمّ الكشف عنها لأوْدَتْ برؤوسٍ كبيرة إلى السجن…»

فهل تكون التضحية برؤوس السواد الأعظم من هذا الشعب، من أجل تراكُمِ رؤوس أموال الرؤوس الكبيرة، أو تصبح مقاومةُ العدوان على الأرض في مستوى العدوان على الإنسان الذي يعيش عليها كما الأموات..؟

وهل من الصعب حقاً: «إمساكُ هـرٍّ أسود في غرفةٍ مظلمة..» كما يقول مثلٌ صيني…؟

وهل يمكن، أن يقوم بلـدٌ: المسؤول فيه غير مسؤول، والمرتكِبُ فيه مجهول، والفعل فيه بلا فاعل، وأهل الحكم كأنّهم أشباحٌ وقوافلُ جـنّ، فلا اقتصاص ولا حساب، ولا قانون ولا كتاب، «كأنهم أئـمَّةُ الكتاب وليس الكتابُ إمامَهُمْ..» على ما يقول الإمام عليّ.

مع هؤلاء الذين يحكمون، يبقى كلام أمير المؤمنين هو الحـلّ، في كتاب له إلى بعض عمّاله.(2)

«إختطَفْتَ ما قدِرْتَ عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم إختطافَ الذئب الأزلِّ… فاتّـقِ الله واردُدْ إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل… لأضربنّك بسيفي الذي ما ضرْبتُ بـهِ أحداً إلاّ دخل النار.

خطيئة الحكّام، أنّهم لا يقرأون الإمام، وعابـدُ المال منهم كعابد النار: يهواها، وتُحرقُـهُ… وتحرقُـه ويُحرقنا.