IMLebanon

واقعية نصرالله حيال “الوطني الحر”

 

إكتفى الأمين العام لـ”حزب الله” بتخصيص سطر واحد من كلمته المطولة التي دامت أكثر من ساعة مساء الأربعاء لأزمة تأليف الحكومة الجديدة والنقاط العالقة عندها. لم يتناول كما في كل مرة الوضع الاقتصادي المالي المتردي ولا الانهيار الذي يلوح في الأفق في حال استمرار الفراغ الحكومي، ولا المبادرة الفرنسية التي لو لم يجتمع الموفد الفرنسي باتريك دوريل إلى رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النيابية النائب محمد رعد، لما تذكرها “الحزب” وأعاد التأكيد على استمرارها. بدا واضحاً من مطالعته أنه مهتم بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية أكثر من أي شيء آخر، ليعبّر عن فرحه بعدم فوز دونالد ترامب فيها، لا سيما لأنه أعطى الأمر باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني. ولم يسبق للسيد أن قام بتحليل الانتخابات الأميركية بهذا التوسع كما فعل هذه المرة، من دون أن ينسى تشريح الديموقراطية الأميركية وزيفها. وإن كان ذلك يدل إلى هموم “الحزب” في هذه المرحلة، فإنه يشي بما سبق أن قيل عن أن “الحزب” ليس في وارد تسهيل قيام الحكومة قبل نتائج تلك الانتخابات ليقرر على أثرها موقفه، في سياق حسابات إيرانية بالتمسك بكافة الأوراق إلى حين اتضاح من يكون ساكن البيت الأبيض. وهو سبق أن لمّح إلى سياسة “الانتظار” في خطب سابقة في الشهرين الماضيين.

 

في المرتبة الثانية من الأهمية جاءت العقوبات على حليفه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، في المساحة التي أفردها في خطابه لهذا العنوان، فيما يأتي حديثه عن ترسيم الحدود البحرية وما يحكى ويُكتب حولها عن أنها مقدمة للتطبيع مع العدو، في المرتبة الثالثة…

 

كان من الطبيعي أن يقفز نصرالله فوق ما قالته السفيرة الأميركية دوروثي شيا حول إبداء باسيل استعداده من أجل الانفصال عن “حزب الله” لكن بشروط معينة لم تكشفها. وكان من الواقعية ألا يتوقف عند ما جاء على لسان باسيل في مؤتمره الصحافي الأحد الماضي عن خلافه مع “الحزب” حول الترسيم وحول السلام مع إسرائيل والتدخل في دول أخرى، وفي شأن عناوين أخرى. الواقعية ذاتها فرضت عليه الرد على تلك المواقف في معرض رده على كتّاب ومحللين وفرقاء تحدثوا عن أن القبول بترسيم الحدود مقدمة لقبول “الحزب” بالسلام مع إسرائيل. لكن الواقعية أوجبت تطمين جمهور “التيار الوطني الحر” وبعض من يتبرم في صفوفه من أضرار العلاقة مع “الحزب”، ومنها العقوبات بسبب تحالف باسيل ورئيس الجمهورية ميشال عون معه، وتطلبت تفهماً لتنامي الرفض المسيحي إزاء سوق باسيل وعون لبنان نحو المحور الإيراني. وفضلاً عن امتداحه “شجاعة” باسيل، أراد نصرالله استيعاب المناخ المعترض في صفوف “التيار”، على هذا الانسياق، بالحديث عن الاستعداد لمراجعة ورقة التفاهم و”تطويرها” لتهدئة هذا المناخ. ليس الوقت بالنسبة إلى “الحزب”، وهو ينظر إلى احتمال قيام إدارة ترامب في الأيام الباقية لها بمغامرة مع إسرائيل ضد “الحزب”، أن يوسع دائرة خصومه فيفقد تأييد تيار رئيس الجمهورية وما تبقى من غطاء مسيحي. والوجه الآخر لامتداح صلابة عون في مفاوضات الترسيم هو الاطمئنان إلى تنسيقه مع “الحزب” في الموقف منها، سواء إذا اقتضت التشدد أو التسهيل، وفقاً للحسابات الإقليمية، والحكومة لا تبدو من ضمنها.