على رغم الأجواء الإيجابية التي ضخّها الرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري من القصر الجمهوري أمس، بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مشيراً الى عقد لقاءات أخرى متتالية لكي «ننتج صيغة حكومية قبل الميلاد»، تستعين مصادر معنيّة بعبارة رئيس مجلس النواب نبيه بري الشهيرة: «ما تقول فول تيصير بالمكيول». إذ في حين هناك حاجة ملحّة للبلد على مختلف المستويات الى تأليف حكومة في هذه اللحظة السياسية، إلّا أنّ حسابات الأفرقاء المعنيين بالتأليف أبعد من هذه اللحظة.
تُربط الحكومة العتيدة باستحقاقات مقبلة عدة، وتُقارَب على أساس المصالح الفئوية ولتكون ضمانة مستقبلية لوجود الأطراف السياسية التي تمثّل السلطة. ففي حين يُفترض أن تكون «حكومة مهمّة» لستة أشهر وفق مقتضيات المبادرة الفرنسية، إلّا أنّ مسار تأليفها وتقسيم الحقائب وفق مطالب غالبية الأحزاب والتيارات، يشير الى أنّها قد تبقى الى نهاية عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أو أكثر، إذا تعذّر انتخاب رئيسٍ جديد في الموعد الدستوري.
وفي حين عاد مسار التأليف الى سكته الدستورية، بعد نجاح مساعي أكثر من جهة داخلية وخارجية، لكسر الجمود الذي أرخاه النزاع بين عون والحريري المُناطَين بهذه العملية الدستورية، فعُقد «لقاء التأليف» الثالث عشر بينهما أمس، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ العِقد كلّها أُزيلت من طريق التأليف، والتي قد تتطلّب فكفكتها أياماً أو أسابيع أو أكثر.
كثيرون دخلوا على خط حلحلة التأليف، فالفرنسيون يتابعون هذا المسار منذ ما قبل تكليف الحريري، وحاول البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إرساء حلحلة ما على هذا المستوى مع المعنيين، فضلاً عن الوسطاء التقليديين الذين يدخلون في التفاصيل ويقدّمون الحلول العملية، مثل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.
بدوره، دخل «حزب الله» بعد صمتٍ وانتظار على خط الحلحلة، بعدما اشتعلت حرب البيانات العلنية بين عون والحريري، وتبيّن أنّها قد تكون مفتوحة الى مدى غير منظور. فعلى عكس ما يعتقد كثيرون، يسعى «حزب الله» الى ولادة الحكومة سريعاً، ولا يستفيد من غياب السلطة التنفيذية وبالتالي «الحُكم»، وهو لا يربط تأليف الحكومة بأي عامل خارجي، و»لو كانت القصة عنده» لتألفت الحكومة فور تكليف الحريري، بحسب ما تؤكّد مصادر قريبة منه.
فعمل الحزب، تحديداً عبر المعاون السياسي للأمين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين الخليل، على «تنفيس الاحتقان» بين عون و»التيار الوطني الحر» والحريري، وسعى الى أن يُسهّل الرجلين التأليف، بحلٍّ يقضي أن يتفق عون والحريري أقلّه على قواسم مشتركة حول الاسماء لا أن يطرحها الحريري بمفرده ويفرضها على رئيس الجمهورية.
وتفيد المصادر، أنّ هذا المسعى نجح بتذليل عقبة «الثلث المعطّل» لفريق رئيس الجمهورية، التي كان يُقال إنّ عون ومن خلفه رئيس «التيار» النائب جبران باسيل متمسكان به. لكن تبقى عقدة الأسماء، بحيث يقبل الحريري بأن يُسمّي عون الوزراء المسيحيين، فضلاً عن توزيع الحقائب، إذ إنّ عون لن يقبل بالتوزيع بحسب التشكيلة الوزارية الأخيرة التي قدّمها الحريري له، إذ إنّ هناك «غبناً» للمسيحيين في هذا التوزيع.
ويؤيّد «الحزب» موقف عون لجهة تسمية الوزراء المسيحيين، انطلاقاً من أنّ الحريري سيُشكّل حكومته من وزراء شيعة يُسمّيهم «الثنائي الشيعي»، ودروز يُسمّيهم رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وسُنّة يُسمّيهم الرئيس المكلّف، ولا «منطق» في رفضه أن يُسمّي عون الوزراء المسيحيين في هذه الحكومة، فـ»إمّا أنّ الجميع يُسمّي أو أنّ أحداً لا يسمّي».
وتجزم المصادر القريبة من «الحزب»، أنّ الحريري لن يُسمّي الوزراء الشيعة، وأنّ «الثنائي الشيعي» لن يقبل تلقائياً بأي اسم شيعي سبق أن ضمّه الحريري في أي تشكيلة أو لائحة عرضها على عون. وتؤكّد أنّ «الحزب» لم يُسلّمّ أسماء الوزراء الشيعة الى الحريري بعد، وهو لن يفعل ذلك، كما سبق أن أبلغ الى الحريري، إلّا بعد اتفاق رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف خصوصاً على الحصّة المسيحية.
وفي حين ينتظر «حزب الله» تأليف الحكومة لتحريك عجلة الحكم وبالتالي الملفات الحياتية والإصلاح والتفاوض مع صندوق النقد.. تؤكّد المصادر نفسها أنّه ليس وراء التأخير في التأليف أو خلف تشبث عون وباسيل، بحسب ما يُسوّق، لتعزيز وجود «الحزب» وحلفائه في السلطة التنفيذية، أو انتظاراً لتسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة في الولايات المتحدة الأميركية وتكوين إدارته وتبيان سياسته تجاه إيران. وإذ تسخر المصادر من هذه النظرية، تقول: «هذا الأمر قد يتطلّب سنة. فهل يُمكن أن ننتظر الى ذلك الحين»؟ وتسأل: «أي تشبث إذا طلب «الحزب» من حلفائه الحلحلة؟»، مشيرةً الى تجاوب عون. كذلك تسأل: «إذا كان الحريري يرفض أن يُسمّي شريكه في الحكم أسماء الوزراء المسيحيين، ما دخل «حزب الله» بذلك، وكيف يكون هو المُعرقل»؟.
وعن إعتبار بعض الجهات السياسية أنّ «الحزب» يُمكن أن «يمون» على حليفه أو يمرّر «كلمة سرّ» الى عون أو باسيل للتراجع عن موقفهما فتُؤلّف الحكومة، تسأل المصادر القريبة من «حزب الله»: «كيف يُطلب من «الحزب» أن يحضّ رئيس الجمهورية على التراجع عن حق دستوري وألّا يُشارك في تأليف الحكومة، أو التنازل عن تسمية الوزراء، فيما الطوائف الأخرى تختار وزراءها؟ وهل يقبل المسيحيون بذلك؟».