Site icon IMLebanon

ماذا تخفي برقية “السيد” لباسيل؟

 

 

لم يرو الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله غليل الذين كانوا ينتظرون أن يستفيض عبر اطلالته الأخيرة في التعليق على الانتقادات التي وجهها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل إلى الحزب، وإن كان لم يصل في «انتفاضته» الى حدود الإعلان الرسمي عن الخروج النهائي من تفاهم مار مخايل.

اختار السيد نصرالله ان يكتفي بتوجيه إشارات قليلة، ولكن معبّرة، حول طبيعة المنحى الذي سيسلكه الحزب في مقاربة العلاقة بالتيار خلال المرحلة المقبلة، حيث أكد التمسك بالتفاهم معه والاستعداد لتطويره، لافتاً في الوقت نفسه الى ان المسائل التي أوردها باسيل تحتاج إلى توضيح ومصارحة في الأيام الآتية.

ما الذي تعكسه «البرقية» المختصرة التي وجهها الامين العام للحزب الى باسيل، في انتظار الشروحات التفصيلية؟

تفيد المعلومات انّ الحزب ثابت على قراره باحتواء «العاصفة الباسيلية» انما من دون التسليم بمندرجاتها السياسية التي سيتم تفنيدها لاحقاً، تحت سقف استمرار التفاهم والتجاوب مع مبدأ إعادة تأهيله، ليصبح اكثر قدرة على مواكبة تحديات هذه المرحلة واولوياتها.

ومع ان رسائل باسيل إلى الضاحية كانت حادة وعلنية، الا انّ الحزب لم ولن ينفعل في الرد عليها، بل هو سيتعامل معها بأعصاب باردة وفق قاعدة: «نتحمّل ونتفهم».

اكثر من ذلك، يفيد العارفون بأنه وعلى رغم كلمة باسيل الحادة، لا يزال الحزب متمسكاً بدعم التيار في الانتخابات النيابية ورفده بما أمكن من الاصوات، حتى لو كان هناك فتور وضمور في العلاقة، وحتى لو اختار باسيل ان يبقى على مسافة من الحزب، «ذلك انه عندما تكون المعركة بين جبران باسيل وسمير جعجع فمعروف أين يجب أن نتموضع والى جانب مَن».

وينطلق الحزب في «صبره» على التيار من معرفته بأنّ حليفه يواجه ضغوطاً شديدة واختبارات صعبة في بيئته المسيحية التي يفترض خصومهما المشتركين انه يمكن عبرها إضعاف الرئيس ميشال عون وباسيل على نحو كبير، وبالتالي تغيير الأكثرية الحالية في الانتخابات المقبلة ومحاصرة «حزب الله» سياسياً، في اعتبار ان البيئة الشيعية هي شبه مقفلة وليس بالإمكان خوض المواجهة من خلالها.

بناء عليه، تتفهّم قيادة الحزب ان التيار محرج وان معركته ليست سهلة، وهي تدرك ان الصوت العالي الذي رفعه اعتراضاً على سلوك الحزب يعكس في جوهره صرخة متألم لا متمرد، وإن يكن التدقيق في المحتوى السياسي للاعتراض البرتقالي يُبين ان هناك إجحافاً في حق الحزب، وسوء تفسير لدلالات كثير من مواقفه، كما يؤكد القريبون من أروقته الداخلية.

وانطلاقاً من مبدأ ترتيب الاولويات وإعطاء الأفضلية للأهم على المهم، يعتبر الحزب ان المرحلة لا تتحمّل ترف نسف أصل التفاهم واقتلاعه من جذوره بجريرة تيبس بعض أغصانه والخلاف حول مقاربة عدد من بنوده، تماماً كما أنه لا يجوز في الوقت نفسه تجاهل ما أصابه من خلل ووهن يتطلبان مصارحة متبادلة.

والى ان يبوح «السيد» بمطالعته الشاملة، يوضح المطلعون انّ الحزب يملك في جعبته ردودا مفصلة على المآخذ التي عدّدها باسيل في خطابه الاخير، وهو يجزم بأن ما ذهب اليه رئيس التيار من اختصار للمشكلة بالرئيس نبيه بري او بنمط العلاقة معه انما يجافي الحقيقة ويخالف الواقع.

وفي رأي الحزب، انه وقف الى جانب التيار خلال محطات مفصلية عدة، «واذا حصل ان خالفه الرأي او الاجتهاد احيانا فهذا لا يعني انه يعرقل مشروع بناء الدولة».

وللدلالة على جديته في السعي الى النهوض بالدولة وإصلاحها، يستشهد القريبون من الحزب باندفاعته لمحاربة الفساد وتكليف النائب حسن فضل الله بإدارة هذا الملف تحت إشراف شخصي ومباشر من قبل السيد نصرالله، وصولاً الى إحالة كثير من قضايا الفساد الموثقة الى الجهات القضائية المختصة، «الا ان المشكلة كانت ولا تزال تكمن في قصور القضاء وتقصيره، وبالتالي هو من يجب أن يُحاسَب بالدرجة الأولى على تخاذله وعجزه».

اما تصوير الحزب بأنه مسلوب الارادة في تحالفه مع بري فيؤشّر، تبعاً لرأي هؤلاء، الى مغالطة كبيرة في فهم طبيعة وآلية العلاقة التكاملية التي تربط الطرفين، معتبرين انه كان «الاجدى معالجة خلاف التيار – أمل بدل تحميل الحزب تبعاته وتداعياته، علماً انه فعل أقصى المستطاع لردم الفجوة بين حليفيه، لكن مسعاه المتكرر ذهب هباء منثوراً.

والاكيد، انّ «حزب الله» لن يفاضل بين تفاهم مار مخايل والرئيس نبيه بري ولو انّ كلمة باسيل ارادت ان تضعه أمام هذا الامتحان، إذ سبق له ان اختار الاثنين معاً وهو لن يبادر من جهته الى التخلي عن أحدهما لا الآن ولا مستقبلا، على رغم انّ «صيانة» هذه التوليفة المركبة لم تعد فقط مهمة غير سهلة، بل أصبحت مكلفة كذلك.

لقد بات محسوماً بالنسبة إلى الحزب ان التحالف مع الحركة من الثوابت، والتفاهم مع التيار من الضرورات، وما سيُدلي به السيد نصرالله سيظل تحت هذا السقف.