IMLebanon

“اللبنانية الجديدة” المضادة للبنان

 

لبنان يحتاج أكثر من أي وقت مضى الى الواقعية لمواجهة المظاهر التي يراد فرضها كحقائق على اللبنانيين. وأعلى مراحل الواقعية العمل لتغيير الواقع السيئ، وليس التسليم به. فما يقوله لنا يومياً بالكلام والفعل أهل القوة الجدد هو: إنسوا لبنان الذي عرفتموه وتحنون لإستعادته، فأنتم في “لبنان آخر”، لا على الطريق إليه. لبنان آخر يراه هؤلاء في “شرق أوسط آخر” صار عدد مهم من بلدانه العربية ضمن “محور المقاومة” بقيادة إيران. لبنان آخر هو، بالوقائع والكوارث المصنوعة بسوء السياسات والتخطيط، “جهنم” بالنسبة الى أكثرية اللبنانيين. وهو، بالإستعلاء وأحاديث الإنتصارات الإلهية والتطاول على الأشقاء والأصدقاء، أرض “الكرامة الوطنية” بالنسبة الى الذين يعيشون في “جنة” المشروع الإقليمي الإيراني.

 

أقل ما نسمعه في أكبر تزوير للحقيقة وإنكار للتاريخ وإستغباء للناس، هو أنه “لا لبنان لولا المقاومة”، و”لا دولة لولا المقاومة”. عاش التواضع. مقاومة إسلامية أنشأتها جمهورية الملالي في ثمانينات القرن الماضي محت لبنان التاريخ وجعلت من “لبنان الكبير” الذي عمره مئة سنة لبنان الذي “يقدره العالم بسبب المقاومة”. واللبنانية التي يعتز بها اللبنانيون في لبنان “عربي الهوية والإنتماء” حسب الدستور، سقطت أمام “اللبنانية الجديدة”. فمعيار الوطنية صار الإرتباط بإيران. ودور لبنان هو أن يكون منصة صواريخ وقاعدة لـ”مئة ألف مقاتل” يهدد بهم السيد حسن نصر الله الداخل الذي يمسك بمفاصل السلطة فيه، ويشاركون في حروب سوريا واليمن وصراعات العراق كجنود في “ولاية الفقيه” ويعيدون تصدير “الثورة الخمينية” الى بلدان في المنطقة والعالم بعدما كان لبنان الأول في إستيرادها.

 

وهذا هو الخطر الوجودي على لبنان والذي لا يختفي ولو صام السيد نصر الله عن الخطابة. وليس هجومه المتكرر على السعودية سوى تكبير للخطر عبر الإضرار بمصالح لبنان واللبنانيين. لا بل هو جزء من العمل للمشروع الإيراني من خلال الحرص، لا فقط على إساءة العلاقات مع الأشقاء والأصدقاء، بل أيضاً على قطع الوطن الصغير عن العرب والغرب. ومن الطبيعي أن يسخر “حزب الله” من الذين يدعونه للعودة الى الداخل، ويطالبونه بأن يصبح “حزباً سياسياً” مثل سواه. فهو في الداخل يمثل عصب “اللبنانية الجديدة” المضادة للبنان القديم ولبنان الطائف. وقمة السياسة في دوره أن يحمل السلاح ويقاتل به من أجل المشروع الإيراني الذي هو مبرر وجوده.

 

الكل يعرف أن دور “حزب الله” في الداخل وفي الإقليم صار من أكبر الأعباء على لبنان المتعب. وليس قليلاً عدد الذين يتصورون أن الدور صار قدراً لا يُرد. وهذا وهم كبير. فمن دون غطاء الشرعية، وبوجود تحالف سياسي وشعبي لبناني عريض من كل الطوائف والتيارات والمناطق، فإن سلاح “حزب الله” يفقد سطوته. والتوازن السياسي في البلد، كخطوة أولى يصبح أمراً واقعاً.

 

و”يجب القيام بشيء للإعتراف بأننا فكّرنا فيه” كما قال نابوليون.