Site icon IMLebanon

“إستراتيجية انتخابية” بدل الدفاعية؟

 

 

أخذت التعبئة الانتخابية تتخطى الكثير من المعايير المألوفة حتى في سياق المغالاة في استنفار الجمهور وشد العصب المذهبي والطائفي والمشاعر الغرائزية، فباتت تتوخى ترتيباً للوقائع التاريخية والأحداث الموثقة بشيء من التحريف والمواربة لتسويغ اتهامات وتصنيفات تستند إلى فرضيات تتجاهل الحقائق.

 

للمرة الثانية يحرض «حزب الله» جمهوره على أنه يخوض «حرب تموز سياسية»، في الانتخابات النيابية، لاستنهاض جمهوره وتوظيف ما في وجدان هذا الجمهور من امتنان لدور «حزب الله» الرئيسي في تحرير الجنوب من احتلال إسرائيل، شاركه (لهذا الجمهور) فيه أكثرية اللبنانيين في العام 2000، ثم في 2006 لصموده في وجه عدوان تموز، في صندوقة الاقتراع. جاء هذا التوظيف المفتعل، بإسقاط حرب تموز على انتخابات الأحد المقبل على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله هذه المرة، بعد أن كان رئيس المجلس السياسي السيد ابراهيم أمين السيد أطلق تلك العبارة قبل أسابيع. وبذلك يلجأ الحزب إلى لغة التخوين مرة أخرى: من ينافسونه هم بمرتبة العدو الإسرائيلي. لكن استغلال عواطف الجنوبيين حيال المقاومة لا يستقيم عند هؤلاء، على رغم اقتران هذه «الاستراتيجية الانتخابية» التي يعتمدها الحزب بالتذكير بأنه أعلن التعبئة العامة منذ نهاية الشهر الماضي إزاء تحركات ومناورات عسكرية إسرائيلية. وهو يريد أن يزاوج بين التعبئة العسكرية ضد إسرائيل وبين التعبئة الإعلامية والسياسية لمصلحة لوائح الحزب وحلفائه. الحالة الأولى متصلة بالمواجهات في القدس بين جيش الاحتلال والفلسطينيين حول خطوات تهويد جزء من الجامع الأقصى، وبالتسخين العسكري بين «حماس» وإسرائيل. والحالة الثانية متصلة باتساع الحملة على استتباع الحزب لبنان لمقتضيات المواجهة الأميركية الإيرانية من فيينا إلى اليمن…

 

«الاستراتيجة الانتخابية» للحزب أوقعته في فخ التناقض وقلب الحقائق. فحين يقول السيد نصرالله «نحن منذ 2006 دائماً ما نقدم استراتيجيات دفاعية ومنهم لا نسمع سوى سلموا السلاح». وفي وقت لم يطلب أي من خصومه تسليم السلاح، بل حملوا على سطوة السلاح على القرار السياسي اللبناني، ودعوا إلى وحدانية سلاح الشرعية، فإن الإيحاء بأنه الوحيد الذي قدم مشروعاً للاستراتيجية الدفاعية يتجاهل عن قصد أنه إضافة إلى المسودة التي عرضها هو في هيئة الحوار الوطني برئاسة الرئيس نبيه بري، (حزيران 2006)، فعل الشيء نفسه رئيس «اللقاء الديمقراطي» آنذاك وليد جنبلاط الذي كان لا يزال نائباً، ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع. ولاحقاً الرئيس ميشال عون. كان بند الاستراتيجية تلك، الأخير على جدول الأعمال، ووصفه بري في حينها بأنه الأسهل. حصل انقسام حول تلك المسودات التي عطل اندلاع حرب تموز استكمال مناقشتها.

 

في11 حزيران 2012 قدم الرئيس ميشال سليمان مشروع استراتيجية وطنية للدفاع «من شأنه ان يحمي لبنان بما فيه المقاومة»، كما جاء في نصها. جاء ذلك بعد صدور إعلان بعبدا بتحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة ما عدا إسرائيل. ارتكز مشروع الرئيس سليمان في حينها على «الدستور والقوانين ومستلزمات العيش المشترك وقرارات الشرعية الدولية»… وتناول عناوين: «العدو الإسرائيلي، الإرهاب، السلاح، مجابهة المخاطر، مرتكزات الاستراتيجية، تعزيز القدرة العسكرية»… ونص على أنه «بالتوازي السير بعملية ترسيم الحدود الدولية للبنان والمشار إليها في القرار 1701». وفي 20 أيلول 2012، نص بيان هيئة الحوار على مواصلة البحث في أفكار استراتيجية الدفاع وفي 5 أيار 2014 نص بيان هيئة الحوار على «مواصلة البحث للتوافق على استراتيجيّة وطنيّة للدفاع عن لبنان، وخصوصاً بالاستناد الى التصوّر الذي قدّمه رئيس الجمهوريّة» لكن الخلاف بين سليمان والحزب بعد تصريح له عن «المعادلات الخشبية» في شأن المقاومة أدى إلى مقاطعة الحزب جلسات الحوار.

 

وحين وعد الرئيس ميشال عون في آذار 2018 بمناقشة الاستراتيجية الدفاعية بعد الانتخابات، أبدى الحزب استعداده، لكنه أبلغه بأنه يفضل تأجيل الأمر الذي كان ينتظره المجتمع الدولي ويتكرر التذكير به في تقارير الأمين العام للأمم المتحدة منذ حينها عن تنفيذ القرار 1701، فطلعت فتوى وزير الدفاع آنذاك الياس بو صعب خلال جولة له في الجنوب، بأن «الاستراتيجية الدفاعية تبحث حين تزول الأخطار الإسرائيلية».

 

لا يتنبه الحزب إلى أنه يحوّل امتنان الجمهور الجنوبي لدوره في تحرير الأرض، إلى تمنين لهذا الجمهور يقفز فوق ما يعانيه الجنوبيون، مثل سائر اللبنانيين، جراء تغطيته للفساد والهدر وتحالفه مع المتهمين بالتسبب بأزمات لبنان وبسبب عزله البلد عن محيطه العربي، بقول نصرالله إنه «منذ 16 آب 2006 كل القرى الجنوبية تنعم بالأمان والعزة والسيادة والعنفوان بفضل المقاومة». دعا نصرالله «من يريد المحافظة على لبنان وحمايته واستخراج الغاز، الى التصويت للمقاومة وحلفائها»… فما علاقة هذا بذاك بعد أن اعتمد في الأشهر الماضية مبدأ أن الحزب يقف خلف موقف الدولة اللبنانية في مسألة ترسيم الحدود البحرية التي تتيح استخراج الغاز والنفط؟

 

الأرجح أن «الاستراتيجية الانتخابية» التي يتّبعها «حزب الله» ترتد عليه.