مثل الملايين في لبنان وفلسطين المحتلة ومختلف أنحاء الإقليم والعالم شاهدتُ سماحة السيد حسن نصرالله واستمعت إليه متكلِّماً مرتين هذا الأسبوع باعتبار ما يقوله بمثابة البوصلة التي تشير الى وجهة التطورات التي سيتخذها مسار المعارك على الحدود اللبنانية – الفلسطينية في قابل الأيام والأسابيع. وبالرغم من أن إطلالته الثانية، عصر أمس الجمعة، جاء توقيتها مختلفاً عمّا قبلها، كونها أعقبت تطوراً خطراً تمثّل بمجزرة النبطية التي ارتكبها العدو الصهيوني وأدت الى سقوط مواطنين لبنانيين مدنيين أبرياء ارتقوا الى الشهادة، فإن الرجل بدا متماسكاً، غيرَ منفعل، رافضاً أن يستدرجه العدوان الى مواقف خارجة على التحكّم. وتلك ميّزة وقدرة هما في رأس مستلزمات القيادة.
بيت القصيد في ما أراد الجميع أن يستمعوا إليه في كلام الأمين العام لحزب الله (أصدقاءَ وأعداء، مريدين ومعارضين) هو ما إذا كان قرّر التصعيد أو أنه سيسعى إليه، ولكنه بدا في ذروة ضبط النفس، حتى وجدتُني أستنتج ما كان يشير إليه كلام المغفور له الرئيس الراحل رياض الصلح عندما نصبت القيادة السورية «الخشبة» على الحدود اللبنانية – السورية، في ما عُرف بالـ «قطيعة» الشهيرة، يومها قال الصلح: «نحن ما أردناها، لكنها كانت، فلتكن».
ومن دون أي تهاون، أو تراجع، أو تردد في الموقف المبدئي، أراد السيد أن يؤكّد على أن التصعيد لن يكون قرار المقاومة، أمّا إذا ما أراده العدو فنحن له وبجهوزية كاملة، ومن دون أن يفوته التصميم الجازم على مبدأ «الدم المدني بالدم المدني»، ولكن على توقيته وليس على توقيت العدو.
لا شك في أن المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق سماحة السيد حسن نصرالله هي كبيرة جداً، وثقلها تنوء به الجبال، وأولى معادلاتها الصعبة، بل بالغة الصعوبة، هي الموازنة الدقيقة بين دور المقاومة في هذه المواجهة وتجنيب لبنان الحرب الشاملة التي يسعى نتانياهو في ركابها فقط لكي يمدّد بقاءه في السلطة وهو الذي يهرب، الى الأمام، ممّا ينتظره في «اليوم التالي» للحرب من مساءلات ومحاكمة، بعد عدوانه التدميري الوحشي على قطاع غزة وما ارتكبه من مجازر طاولت المدنيين الأبرياء لا سيما النساء والأطفال والعجائز، ناهيك بالمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس الخ…
وإذ ندرك أن اللحظة بالغة الدقة والتحرّج، وهذا ما كتبناه منذ اليوم الأول لحرب الاحتلال على غزة، إلّا أننا، وعلى صعيد شخصي، نثق بأنّ سماحة السيّد حسن نصرالله يحمل الهمّ اللبناني في وجدانه وقلبه.