لكثرة كلامه، وانزلاقه إلى الثرثرة، يقع أمين عام ميليشيا «حزب الله» في المحظور كل مرة. بات حسن نصرالله أسهل سياسي تلتقط تناقضاته. فللمرة الثانية، وخلال أيام، يتحدث عن الضائقة المالية بكل حسرة، بينما في الصيف الماضي أنكر تأثير العقوبات المالية على حزبه، بدعوى عدم وجود تعاملات بنكية.
خاطب نصرالله جمهوره واعترف بنصف الحقيقة. قال له إن العقوبات المالية تخنق إيران والحزب ورجال أعمال داعمين، ولم يفصح له عن مصادر أموال التجار، ولا عن أسمائهم، على رغم وجودها في بيانات العقوبات الرسمية، ومنشورة في الإعلام، ويعرفها جمهوره قبل البقية.
«الحزب الإلهي» يصرف على أكثر من 50 ألف عنصر عسكري أو غيره، ويموّل نشاطات واسعة داخل لبنان وخارجه، والقول إن موازنته السنوية مجرد بليون دولار فقط، ليس دقيقاً. فهذا ما تلتزم به إيران سنوياً منذ حرب 2016، وباقي التمويل يتدبره الحزب عبر شبكة مالية ضخمة تنشط في التجارتين المشروعة وغير المشروعة، ويتولاها التجار الداعمون.
انكشف أمر رجال الأعمال في بلدان مختلفة، وتعرضوا للإيقاف وذهبوا للمحاكمات، وكل هؤلاء تنتهي أدلة تورطهم عند «حزب الله»، بتمويله عبر التجارة الممنوعة، مثل المخدرات والأسلحة، والتغطية عليها بنشاط تجاري مشروع، مثل وكالات السيارات في وسط وغرب أفريقيا، وشركات المواد الغذائية في أوروبا، ومصارف محلية تتولى تسهيل عمل ذلك كله.
على حسن نصرالله أن يقول لجمهوره لماذا أوقفوا هؤلاء التجار، وأن يعترف بتجارتهم الممنوعة، وإدانتهم في دول أوروبية وأفريقية ولاتينية. وإذا لم يواجههم بالحقيقة، فلعلهم يقرأون ويطالعون صوراً تكشف قصص الخزي عن «المال النظيف»، إذ تعثر وصوله من أوروبا؛ لأن شبكة مخدرات ضبطت في صربيا قبل عام بالضبط. وتعثر من البرازيل؛ لأن أيمن جمعة اعترف بتجارة المخدرات، واضطر البنك اللبناني الكندي لدفع 100 مليون دولار غرامة. وتعثر من أفريقيا والولايات المتحدة؛ لأن قاسم تاج الدين اعترف وأدين قبل أشهر في واشنطن. وتعثر من نيجيريا؛ لأن أمر مصطفى فواز انفضح، وأوقف تجارة السلاح وغسل أموالها. أما تجارة المخدرات تحت أنظار جمهور حزب الله في البقاع، فيعرفها ولا حاجة للشرح والتذكير.
طوال السنوات الماضية، كوّن الحزب موارد موازنته السنوية من ثلاثة روافد، أولها بليون إيران، وثانيها تجارته الممنوعة محلياً ودولياً، وثالثها صفقات سياسية من قطر؛ أبرزها تبادل الرهائن في سورية. وما جعل نصرالله يخرج مهزوزاً، تنامي العقوبات على إيران، وسقوط تجار الممنوعات، والمقاطعة الخليجية، إذ لفتت الأنظار الدولية إلى تمويل الدوحة الجماعات المشبوهة.
لقد اختار جمهور «حزب الله» هذا المسار المميت منذ عقود. إنه جمهور سلّم عقله ومصيره لمتطرفين لا يخجلون منه. في خطاب الاستجداء نفسه، يعترف نصرالله أن حزبه، وفي أسابيع قليلة، جمع منه مليوني دولار، وأوصلها إلى ميليشيا الحوثي في اليمن، فأي استخفاف يرتكبه نصرالله بجمهوره الجائع؟