IMLebanon

نصرالله يرمي «حبل النجاة» للمستقبل: «لا تتورطوا»!

«المشكلة الآن أن أميركا لم تعد تحترم حتى تعهداتها وتحالفاتها القائمة على مصالح اقتصادية واستراتيجية. ولنقارن فقط الموقف الأميركي خصوصاً، والغربي عموماً من ثورات «الربيع العربي». لقد أنشأت أميركا بعد اندلاع الثورة السورية منظومة ما يسمى بـ«أصدقاء سوريا»، وجمعت حولها عشرات الدول دعماً للشعب السوري وثورته. وقد صدقها بعض المغفلين، ليكتشفوا لاحقاً أن أصدقاء الشعب السوري المزعومين نسخة طبق الأصل عن أصدقاء «الفيسبوك»، لا تحصل منهم إلا على «اللايكات» فقط، حتى إنهم يلجأون إلى إلغاء صداقتك عند «أول انتقاد بسيط». هذا الكلام «الصادم» كتبه قبل يومين احد اكثر الاعلاميين «خبثا» وعداء للدولة السورية ومحور المقاومة، هو يجسد حقيقة الخيبة والاحباط السائدين لدى هؤلاء، ويعكس ايضا حراجة الموقف السائد في هذا «المعسكر». طبعا «تيار المستقبل» وقوى 14 آذار في لبنان لا تخرج عن سياق هذا الموقف الحرج، وعندما تحدث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن «السادة» و«العبيد» للتفريق بين علاقة حزب «ولاية الفقيه» بحلفائه، وبين علاقة «خصومه» بـ «اسيادهم»، كان يحاول اعادة هؤلاء الى «جادة الصواب» لبنانيا، انطلاقا من تغييرات «دراماتيكية» في المنطقة والعالم تفرض عليهم «التواضع» قبل فوات الاوان….

ووفقا لاوساط بارزة في 8آذار، فان الاتصالات السياسية الحثيثة في الساعات التي سبقت الخطاب اعادت «تبريد» «الرؤوس الحامية» في تيار المستقبل، ومهدت «الطريق» امام العودة الى «لغة» الحوار الداخلي، اما احتمال مقاطعة وزير الداخلية نهاد المشنوق لجلسات الحوار من عدمه، فهو تفصيل «صغير» يصرف في «اروقة» «التيار الازرق» ولن يغير من الوقائع شيئا. لكن السيد نصرالله اراد افهام الطرف الاخر ان خياراته محدودة، والافق في وجه اي تمرد مقفل، ولا خضوع لاي مساومة تفترض الاستجابة لشروط ابتزازية للجلوس على «طاولة» واحدة.

حزب الله يدرك ان محاولات تيار المستقبل والتهديد بـ «الحرد» من الحوار والحكومة، لا يرتبط بخطط امنية او غيرها من الحجج الواهية داخليا بحسب الاوساط، «فالغضب» سعودي، ومرده اولا، محاولة الضغط على الحزب داخليا على خلفية التطورات السورية، وثانيا عدم تقبل المملكة للكم الهائل من الانتقادات العلنية لدورها «التخريبي» في المنطقة. وفي هذا السياق فان تهديدات «التيار الازرق» لا تعدو كونها «رسائل» سعودية للضغط على الحزب لوقف ما تعتبره القيادة السعودية الحملة الاعلامية الاكثر تأثيرا في المنطقة، المتمثلة بشخص الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لكن ما قاله الاخير في ليلة ويوم العاشر من محرم رسم حدودا غير قابلة للنقاش، ووضع ما يمكن اعتباره «شروطا» اساسية لكي يبقى الحوار على «قيد الحياة»، ومنها ان الطرف الاخر لا يملك القدرة على التأثير على خيارات الحزب السورية، مجددا شرح الاسباب «الشرعية» والاخلاقية والسياسية والامنية التي تجعل من هذه المواجهة جزءاً من عقيدة حزب الله القتالية، ومن جهة اخرى اكد ان «كسر» «حاجز الصمت» ازاء الارتكابات السعودية بحق المسلمين والعرب، لا عودة عنه، بل ينحو نحو المزيد من التصعيد، ولا خيار امام «المستقبل» الا الفصل التام بين «حوار الضرورة» لحماية الساحة اللبنانية، والمواجهة المفتوحة في المنطقة.

عمليا أعاد السيد حسن نصرالله رسم معالم المرحلة داخليا على وقع التطورات الاقليمية التي تقصد عدم «الغوص» فيها بعمق، «لغاية في نفسه»، وهو لو اراد «التبحر» في شرح الموقف، كان ليؤكد بان قوى 14 آذار، وفي مقدمها تيار المستقبل لم يفهموا بعد ان الروس دخلوا الى سوريا لتأسيس نظام عالمي جديد ابعد من مسألة الدفاع عن النظام السوري او حماية مصالحهم على البحر المتوسط، ومن استمع الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل ايام، وانتقاده العلني والصريح للاميركيين، واتهامهم بالكذب، يدرك ان خطوة موسكو العسكرية تاتي في سياق الصراع الغربي – الروسي، فثمة اعادة نفض «للغبار» عن قدرات روسيا الاتحادية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، فالغرب تعامل مع موسكو كدولة من العالم الثالث، وجاء بوتين ليقول لهم من الساحة السورية، اننا دولة عظمى لا يمكن فرض عقوبات عليها، ولا يمكن محاصرتها، كما حصل بعد الازمة الأوكرانية، وقبلها في جورجيا وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.

ووفقا لتلك الاوساط، فان حلفاء واشنطن في لبنان والمنطقة يدفعون ثمن تردد الولايات المتحدة، ومحاولاتها المعتادة لتوظيف الازمات لمصالحها «الريعية» الاقتصادية، واصرارها على اطالة امد الحرب السورية، وعدم دعم المعارضة المسلحة لحسم الموقف لصالحها. شعر الروس بأن فرصتهم قد جاءت لينتزعوا المبادرة ويفرضوا الحل الذي يريدونه، وعنوانه الرئيسي بقاء الرئيس السوري بشارالأسد ونظامه، وتشكيل حكومة وحدة وطنية يدمج فيها «المقبولون» من المعارضة، و«نقطة على السطر». وغير ذلك من ترداد «ببغائي» من قبل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عن ضرورة رحيل الاسد من المشهد السياسي السوري، يبقى مجرد «احلام يقظة» لا يمكن ان تتحول الى وقائع، فأميركا كانت «تبيع» السوريين وحلفاءها العرب والإقليميين تصريحات «فارغة» تفيد بانه «على الأسد أن يتنحى» واليوم بدلت مواقفها كي تتناسب مع الموقف الروسي، وليس العكس، وقد انضمت اليها معظم الدول الاوروبية. فهل عرب الخليج مصابون «بالعمى»؟؟

الجواب هو كلا، لكن هؤلاء باتوا في موقف ضعيف، فبوتين يسعى للانتقام من محاولة عزل روسيا وتهميشها، وانطلق لبناء منظومة عالمية واقليمية جديدة، وفي هذا السياق يعزز تحالفه مع إيران والصين، لتشكيل جبهة واحدة في مواجهة الغرب، ودمشق هي اليوم القاعدة الاولى لانطلاق هذا التحالف بشقه العملاني، موسكو في الجو وطهران على الارض، وقصة زيارة قائد فيلق القدس الى موسكو الجنرال قاسم سليماني لتنسيق التدخل الروسي، باتت معروفة، والرئيس السوري بشار الأسد جزء من هذه الاستراتيجية وسقوط الأسد ستكون «صفعة» شخصية لبوتين. السعودية تدرك جيدا انها ستكون اكبر الخاسرين، «تكابر» وتحاول تقليل «الخسائر» من خلال محاولاتها «الصبيانية» لتجاوز دور ايران في المنطقة، لا احد يعرف كيف ستنجح هذه الاستراتيجية. واشنطن تنسحب من «المعركة» بعد تقدم الروس، لا ترغب باي مواجهة جادة معهم في منطقة لم يعد الاستثمار فيها مجديا، اوروبا تؤيد هذا النهج وتريد التخلص من اعباء اللاجئين، و«فوبيا» اعادة تصديرالارهاب تسيطر عليهم، هم يبحثون عن مخرج سريع من الأزمة، بأقل قدر من الخسائر… ولن يلتفتوا الى مصالح «ادواتهم»، وهذا ما يزيد من «هلع» المملكة التي ترى انها ستكون دولة معزولة «ومنبوذة» اذا ما نجح التحالف الجديد في رسم خرائط المنطقة…

انطلاقا من هذه المعطيات، السعودية ستحاول «التخريب» تقول الاوساط، عسكريا في سوريا، وامنيا في مناطق اخرى، لكن قدرتها على النجاح محل شك، الروس جادون، ايران تتجه الى تكثيف مشاركتها الميدانية كما ونوعا، اميركا متخاذلة، تركيا غارقة بمشاكلها، حزب الله جزء من استراتيجية الحسم في سوريا، اما تيار المستقبل ففقد دوره الذي لم يتعد اصلا دور «كومباررس» في مشهد قصير لم يكن مؤثرا، فلماذا «العناد» والتورط في «لعبة» تتجاوز قدراته؟ سؤال لم يطرحه السيد نصرالله مباشرة، لكنه قدم مجددا «حبل نجاة» «للتيار الازرق» للجلوس الان على «الطاولة» لايجاد حلول «معقولة» ومقبولة» تتناسب مع موازين القوى السائدة، لان ما يمكن ان يكون مقبولا اليوم لن يكون متاحا غدا. انها «فرصة» جديدة فتحها السيد امام «خصومه» للاستفادة من هامش قد لا يكون واسعا، هو يدرك كيف يفكر «آل سعود» ويعرف قساوة المواجهة المفتوحة بينهم وبين طهران، ونصيحته لـ «تيار المستقبل» واضحة لا تقبل اي التباس «لا تتورطوا»…فهل من يستفيد من هذه الفرصة؟