IMLebanon

نصر الله وخريطته الجديدة

كرر أمين عام حزب الله حسن نصر الله في خطبه ومواقفه الأخيرة احتمال تقسيم المملكة العربية السعودية، وذلك من باب التهويل على قيادتها بأن عدم استسلامها لسياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخضوعها لمشروعها الفارسي قد يأتي بالضرر المحتم على السعودية، محملا إياها مسؤولية تغذية التطرف الإسلامي إلى حد إنتاجها للتكفيريين ومتجاوزا ما تقدم عليه قيادتها السياسية وأجهزتها الأمنية من إجراءات على أكثر من صعيد لمواجهة «داعش» كنتاج طبيعي لإجرام نظام بشار الأسد وممارسات محور الممانعة في حق أبناء الطائفة السنية في الإقليم العربي.

ويُنصب نصر الله ذاته عند مخاطبته الأمة العربية والإسلامية بنوع خاص «المرشد والمنقذ» لهما وبأن ما أصابهما من حروب ودمار وتهجير، أتى نتيجة القمع الذي مارسه نوري المالكي في العراق، ومجازر بشار الأسد في سوريا مدعوما بألوية شيعية إيرانية، وقوات «حزب الله» اللبناني، إضافة إلى انقضاض الحوثيين على السلطة في اليمن بدعم مباشر من إيران والانقلاب عليها بعد اتفاقات عدة كانت رعتها السعودية.. إلى أن كانت عملية عاصفة الحزم التي كانت عاملا ردعيا للتمرد الحوثي ومعها باشرت تقليص تمدد ونفوذ إيران.

وفي ظل هذه الأحداث المؤلمة إضافة إلى ما كشفته الكويت والبحرين عن أدوار أمنية – سياسية إيرانية هدفت للتحريض على الأنظمة في تلك الدول وكذلك نشاطات تمس بالأمن القومي في دولة الإمارات، يخاطب نصر الله سامعيه بأن المنطقة أمام خريطة جديدة، مركزا باستمرار على احتمال تقسيم السعودية من زاوية اعتبار أن مواجهتها للمشروع الإيراني هي مسار خاطئ، وأن خضوعها له يعني حماية لها لكون طهران تقود السياسة السليمة في مواجهة الإرهابيين، وعلى الدولة الحامية والحاضنة لـ«مكة المكرمة» أن تنتهج تعليمات مرشد الثورة «الشيعية» والولي الفقيه لتنقذ المملكة ذاتها من المستقبل الذي ينتظرها على حد زعم أمين عام حزب الله.

ومن الواضح في «استشراف» نصر الله لمستقبل السعودية الذي دأب على التهويل به، هو رهانه على أن المجتمع السعودي قد يشهد تفككا ناتجا عن إشارة من الولي الفقيه لبعض أبناء الطائفة الشيعية الموجودين في المنطقة الشرقية وبذلك يكون الانتقام من السعودية، بعد أن أغلق الملك سلمان بن عبد العزيز باب ابتزاز المملكة ومقام خادم الحرمين الشريفين لكونه لا يخضع لسياسة الابتزاز التي لا تتماشى مع موقع المملكة المعنوي وتأثيرها الإسلامي والدولي بعد عقود من اعتماد هذا النهج معها.. ولذلك أطلق عملية عاصفة الحزم التي أوقفت التمدد الإيراني في اليمن وشكلت بداية هزيمة تحالف الحوثيين – علي عبد الله صالح وفرضت واقعا عسكريا على حلبة الإقليم العربي.

لكن نصر الله لم يتطلع إلى إيران وطبيعة مجتمعها المركب على أنه قابل للانقسام والتفتت، إذا ما دقت الساعة بوتيرة سريعة، لأن عددا من مكوناتها المتعايشة في إطار الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تسلم بهذا الواقع، فالدولة الفارسية تضم 51 في المائة من الفرس، حسب موقع The world factbook وهو كتاب حقائق العالم الذي تصدره وكالة الاستخبارات الأميركية سنويًا

http:–girlsonlyradio.online – talk.net-t2041 – topic فيما القسم الآخر من مجتمعها موزع بين آذريين أتراك، جيلاك، مازندرانيون، أكراد 7 في المائة الذين كانت لهم في الفترة الأخيرة اعتراضات ومظاهرات واسعة في منطقة «مهاباد» في إقليم كردستان شمال غربي إيران، في 8 مايو (أيار) 2015 بعد محاولة ضابط إيراني الاعتداء على فتاة. ورغم أن التنسيق بين الحرس الثوري الداعم للأحزاب الكردية شكل عاملا لتطويق التحرك في موازاة القمع العنيف للتحركات، فإن الحادثة عكست العداء المزمن بين الفرس والأكراد.

ويبقى من بين مكونات الجمهورية الإيرانية الإسلامية العرب في الغرب والبلوش في الشرق، منطقة الأحواز العربية الطابع والثقافة والتقاليد والواقعة في جنوب غربي إيران وتضم 9 ملايين سني – عربي تصنف الأغنى لكونها تحتوي على 80 في المائة من إنتاج إيران النفطي، عدا أنها غنية بإنتاج السكر والذرة، بحيث توصف بأنها أغنى أرض لأفقر شعب، نظرا لعدم السماح لأبناء هذه المنطقة من العرب السنة بالاستفادة من طاقاتها منذ ضمها إلى إيران في عام 1925 ومحاولة تغيير هويتها العربية و«تفريسها».

وتواجه هذه المجموعة محاولات تدجينها وإضفاء الطابع الفارسي عليها وتنشط قوى عدة أسوة بالجبهة العربية لتحرير الأحواز والجبهة الديمقراطية الشعبية للشعب العربي في الأحواز لمواجهة مخططات إلغاء هويتها، حيث تشهد باستمرار تحركات وانتفاضات لا تلقى نجاحا نتيجة المواجهة القوية من جانب السلطات الإيرانية، لا سيما أن لهذا الإقليم أهمية في المنطق الإيراني، إذ قال الرئيس الإيراني محمد خاتمي جملة بالفارسية «إيران باخوزستان زندة است» ومفادها أن إيران تحيا بخوزستان أو عربستان وهي إحدى المناطق الأساسية في الأحواز.

ويعتبر إعدام إيران لزعيم حركة جند الله السنية عبد الملك الريغي شنقا في 20 يونيو (حزيران) من عام 2010 وهو المصنف المدافع الأبرز عن حقوق السنة، ومحركا لعدد من الانتفاضات وعمليات المقاومة، مؤشرا لعدم التساهل مع الفريق السني داخل إيران بغطاء غربي لاعتبار أن أجهزة غربية هي التي كشفت لإيران عن تحركاته لإلقاء القبض عليه كحسن نية تجاهها وتحفيزا لاستمرارها بالمفاوضات النووية على قاعدة أن مجموعة الست حريصة على مستقبل العلاقة معها، فكان أن سلم جهاز إحدى هذه الدول معلومات عن وجهة سفر الريغي، في إطار خطوات تعاون مع إيران ومن بينها تغاضي كل الغرب عن توقيف زعيمي المعارضة مهدي كروبي ومير حسين موسوي منذ يونيو 2009 وسحق الباسيج للطلاب المعارضين يومها.

بعد استعراض مشهد جانبي من تعايش التناقضات في إيران وما تختزنه من قنابل موقوتة معطلة دوليا في الوقت الراهن، وفي ظل تهويل نصر الله على المملكة، قد يكون الجواب على كلامه ما يخشى منه المستشار الأعلى لخامنئي والقائد السابق للحرس الثوري اللواء رحيم صفوي، إثر اضطرابات شهدها الإقليم بأن أمن الأحواز يعني لنا أمن الدولة الإيرانية وأن الأحواز تأتي في المرتبة الثانية بعد العاصمة طهران من حيث أهميتها الحيوية والاستراتيجية، معربا عن قلقه إزاء امتداد المعارك «المذهبية» الحالية في العراق وسوريا إلى الأحواز مستقبلا، على خلفية الواقع المشتعل داخله، وواصفا هذا الاحتمال بالتهديد السياسي والأمني الخطير حيث اعتبره بمثابة تحد آخر قد تواجهه الدولة الفارسية.

لذلك فإن المقارنة بين الواقعين السعودي والإيراني يظهر إيران بأنها تمتلك نقاط ضعف كبيرة، وأن مضي طهران في سياستها القمعية تجاه أبناء الطائفة السنية على مدى الإقليم قد يرتد عليها ويشعل ثورة داخلها تكون ربما مدخلا لتقسيمها وفق شهادة اللواء صفوي الذي حذر من ذلك، في ضوء عدم توقف أبناء الأحواز عن السعي لتحريرها من التسلط الفارسي من خلال نشاطاتهم في المجتمع الدولي وكان آخرها مؤتمر حركة النضال لتحرير الأحواز الذي عقد في 21 أبريل (نيسان) 2015، عدا عن تحركات في اتجاه عواصم الغرب والاتحاد الأوروبي.