غازي دحمان
اضطر الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله إلى إجراء مناورة خطابية تضليلية واسعة ليلتف على انتكاساته في القلمون ويوصل لمن يعتبرهم أعداءه أن معركة ما بعد» ذوبان الثلج» التي فكك الثوار خطتها وكشفوها لم تبدأ بعد، في الوقت الذي كانت بيئته تنتظر منه أحد موقفين لا غير، إما تفسير سبب سقوط هذه الأعداد الكبيرة من القتلى في بداية معركة توعد الحزب وإعلامه بأنها ستكون غير شكل، أو أن يعلن بشكل رسمي وصريح بداية المعركة ويوضح أهدافها ومداها، ولم يكن أحد بحاجة لسماع أخبار «عاصفة الحزم» ولا مجريات الحرب ضد داعش في العراق التي توقفت منذ أسابيع وغابت أخبارها عن الإعلام!
يضاف الخطاب الأخير إلى قائمة نكسات حسن نصرالله في العلاقة مع جمهوره الذي بات الجهة الوحيدة التي تهتم لخطاباته، فقد بدا واضحاً تكنيك التضليل والتذاكي في ثنايا الحديث الذي يفترض أنه موجه لأهالي العناصر الذين يمرون بأوقات صعبة على الجبهات ويحتاجون أكثر ما يحتاجون في هذه الحالة الى الوضوح ومعرفة مصير أبنائهم الذين قدموهم إلى المعركة بناء على ضمانات «حزب الله» بأن يعودوا مظفرين بالنصر لأن الحزب اجترح خططاً قتالية باهرة ستجعل الحرب على الثوار السوريين مجرد نزهة وغنيمة قد يندم من لا يشارك بها؟ ألم يهلل إعلامه على مدار الأيام والأسابيع السابقة لمستوى التحضيرات والطرق المعقدة التي سيتبعها الحزب في حربه القلمونية الثالثة، لدرجة بات الكثيرون يعتقدون بأن المعركة ستحسم فور انطلاقها، إن لم يكن قبل ذلك أيضاً نتيجة انهيار معنويات الثوار من الضربة المزلزلة الموعودة؟
كان من المفترض أن تكون إطلالة حسن نصرالله في ذلك اليوم احتفالية يشبع فيها السيد خصومه شماتة ووعيداً وتهديداً بأن ما أنجزته كتائبه ليس سوى نموذج للقادم في سورية والإقليم كله، لم يكذب «حزب الله» لحظة في الحديث عن تجهيزاته غير المسبوقة للمعركة، المعلومات المؤكدة أنه استقدم من الجنوب ومن أوروبا وأفريقيا كل من سبق له أن حمل السلاح أو شارك في معركة أو تلقى تدريباً معيناً، وقد وعدت إيران بدفع رواتب تعويضية توازي المرتبات التي سيخسرها هؤلاء جراء انقطاعهم عن أعمالهم، وجهّز الحزب مؤونة ضخمة من القذائف تكفيه لصنع حزام نار يطوّق مواقع الثوار، وأجرى تنسيقاً مشتركاً مع قوات نظام الأسد التي تكفلت له بالتغطية الجوية والقصف التمهيدي، لكن المؤكد حصول أمرين أثرا بدرجة كبيرة على المعركة ومساراتها:
الأول: أن المنظومة الاستخبارية لـ«حزب الله» بالفعل صارت منظومة مخترقة ومرتبطة مع جهات إقليمية ودولية، وبالتالي فإن خطط الحزب وتحركاته باتت تتسرّب أول بأول، ناهيك عن كون هذه المنظومة أصبحت مصدر تضليل للحزب نفسه، هذا مع العلم أن الحزب كان قد أجرى تغييرات واسعة في منظومته الاستخبارية منذ فترة عشية انكشاف الاختراق الإسرائيلي لها وتم إحلال أشخاص قليلي الخبرة بدل الذين ثبت تورطهم، لكن الواضح أن الحزب لم يسيطر على الاختراق الذي يبدو أنه أكثر عمقاً واتساعاً بما يفوق القدرة على اكتشافه حتى زمن بعيد.
الثاني: أن جهات التقدير لدى «حزب الله» باتت غير قادرة على ملاحظة التطورات التي تحصل في أداء ثوار الجبهات السورية ولا خططهم المرنة والمتغيرة، وهي في الغالب تقيم تقديراتها على حالة أقرب للجيوش الكلاسيكية التي لديها مواقع ثابتة يمكن استهدافها وعناصر ثابتة ضمن مدى جغرافي محدّد، ويتضح ذلك من الأدوات التي استخدمها الحزب في جمع المعلومات عن الثوار، وهي الطائرات من دون طيار، والمعلوم أن هذه الأداة لا تكون دقيقة في ظل حالة وجود حركة دائمة ومتغيرة، ذلك أن بنك الأهداف الذي يتم تجميعه واعتبار حيثياته إحداثيات نهائية يصبح بلا جدوى مع حركة التغيير المستمرة التي يتبعها الثوار كتكتيك للمواجهة والتضليل.
الأكيد أن الحزب أراد مفاجأة الثوار وبيئته نفسها بالمعركة، وكانت هناك خطة للبدء بها بصمت وحصول عملية قضم واقتحام واسعة قبل الإعلان بشكل رسمي عنها، كل الوقائع كانت تشير إلى هذا المسار، وهذا هو التكتيك النوعي الذي كان الحزب يتوعد به، ربما كان ذلك نتيجة التحوط وعدم الرغبة برفع سقف توقعات مناصريه جراء إدراك الحزب أن الأمور أعقد مما تصوره ماكينته الدعائية، وأن النكسات الأخيرة على مدى الجبهات السورية التي يشارك الحزب في القتال فيها قد أثرت على مقاتليه وبيئته، وبالتالي فإن الحزب كان يريدها حرباً خاطفة تعيد التوازن النفسي له ولحلفائه، من دون الإعلان الرسمي عن بدء المعركة وعلى قاعدة الآخرة يا فاخرة والنتائج هي الأهم.
الخلاصة أن «حزب الله» لم يعد قادراً على خوض معاركه السورية بالأريحية نفسها التي خاض بها معركة القصير، الأمور تغيرت بشكل جذري، ثمة تحولات كبيرة حصلت بين تلك الفترة وهذه غيّرت من ديناميكية وطبيعة الصراع، الأغلب أن حزب الله لن يعلن عن بدء معركة القلمون إلا مضطراً، وفي الغالب سيسعى إلى تحويلها إلى مجرد عمليات متقطعة، رغم أن نصر الله أيضاً حاول في ظهوره الأخير تضليل الثوار واستخدام الخديعة عبر التمويه عن بدء إطلاق حربه عليهم، لكن بكل الأحوال وحتى لو تم في الأيام المقبلة الإعلان عن بدء معركة القلمون فإنها لن تكون بالزخم الذي أراده «حزب الله «ولن تكون سهلة وانسيابية مثل معاركه السابقة.