Site icon IMLebanon

نصرالله وحقيقة المعركة المذهبية

غطس الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله في مستنقع لطالما تحاشى السقوط فيه، خشية تعرقل مشروع المدّ الإيراني الذي أخذ من «القدس» و»العداء لأميركا وإسرائيل» عناوين عزف من خلالها على مشاعر الرأي العام الإسلامي. إنه مغطس «المذهبية» الذي حاول السيّد جاهداً إقناع الشارعين العربي والإسلامي بأن حروبه العابرة للدول العربية لا تندرج فيه. العناوين المتلوّنة كافة التي اختبأ «الولي الفقيه» خلفها في حروبه المذهبية على مساحة المنطقة، لا يمكن أن تنطبق على قضية إعدام الشيخ نمر النمر. فبين عامَي 2006 و2008، وابّان «غزوة بيروت»، قال نصرالله إن صراعه مع تيار المستقبل ليس مذهبياً، بل هو مواجهة بين عملاء أميركا وأعدائها. وحين توغّل في الدم السوري صار يقاتل التكفيريين على طريق القدس. ومن ثم اخترع العداء لـ»الوهابية» ليُسوّغ تورطه في اليمن. أما اليوم، فيتدخّل السيّد في الشأنين السعودي والبحريني على خلفية مذهبية واضحة، حتى وإن ادّعى العكس، ويكشف زيف العناوين كافة التي قدّمها ليبرّر حروبه في المنطقة.

لا مجال للزعم أن كلمة نصرالله، وما حملته من شتائم وتهديدات طالت حكام المملكة العربية السعودية، جاءت في إطار «مواجهة أميركا وإسرائيل والخطر التكفيري». فالسيّد الذي باع الجماهير العربية والإسلامية وهم نصرة المستضعفين والمظلومين أينما وجدوا على وجه البسيطة، لم يكترث من بين أحكام الإعدام كافة التي نُفّذت بحق 47 متّهماً بالإرهاب، إلّا بحكم إعدام شيخ شيعي طالب بإسقاط النظام العربي ليحل مكانه حكم «الولي الفقيه»! لكن ذاكرة «سيّد المستضعفين والمظلومين» لم تسعفه لتذكّر مئات الإعدامات المذهبية التي نُفّذت وتنفّذ بحق الدعاة والنشطاء السنة والأكراد والمسيحيين على مساحة إيران. ففي زمن تنفذ فيه السعودية حكم الإعدام بحق رجل شيعي سعودي، تصبح آلاف الإعدامات المذهبية التي تنفذها طهران وأذرعها في المنطقة، تفصيلاً لا يستأهل الحديث عنه. تعدم طهران 4 نشطاء يومياً؟ لا بأس، مواجهة الفكر الوهابي في إيران يقتضي ذلك. يستشهد 11 ألف سجين تحت التعذيب والتجويع في سجون الأسد؟ يُذبح القاشوش وتُقتلع حنجرته؟ تُقلع أظافر حمزة الخطيب ويُبتر عضوه التناسلي؟ يدفنون ناشطاً في التراب وهو حي وهم يجبرونه على الكفر بالله وتوحيد إلههم بشار؟ هذا تفصيل، انظروا الى المؤامرة! تُسلخ جلودهم ويُحرقون أحياءً ويعبث الحشد الشعبي بأشلائهم؟ هؤلاء مشتبه بانتمائهم لـ»داعش«، والأخطاء تقع في كل الحروب. تعدم السعودية رجلاً شيعياً سعودياً يدعو لإنهاء النظام الوطني لصالح الولي الفقيه الإيراني؟ لا، كلا، هيهات منّا الذلة، سنزلزل الأرض تحت أقدام آل سعود، عليهم أن يختبئوا من ردنا الآتي ولو تأخر! لم يعد النقاش في ما إذا كان الحكم بإعدام النمر هو حكم سياسي أم لا، بل أصبح في كيفية إقناع نصرالله الجماهير العربية والإسلامية بأن حروبه التي أوقعت مئات آلاف القتلى من العرب من دون أن يرف جفن لإسرائيل لم تكن مذهبية. كيف لمن تقوم قيامته لإعدام رجل شيعي ولا يرف له جفن على آلاف الإعدامات في إيران والمذابح المذهبية على مساحة المنطقة، أن يقنع الجمهور بأنه يخوض حرب الضرورة للوصول الى القدس؟

غاب الحديث عن المؤامرة الكوينية في خطاب نصرالله، كما غابت الاتهامات لإسرائيل وأميركا بدعمهما للإرهاب. أصبحت «السعودية هي من أنشأ وأسّس وصنع وأطلق الفكر التكفيري الذي يدمّر ويرتكب المجازر ويهدّد شعوب المنطقة»، يقول السيّد في خطابه. فليقدّم نصرالله لجمهوره وللجماهير العربية والإسلامية تعريفاً واضحاً للإرهاب. إذا كان الإرهابي هو من يَذبح ويُكفّر الآخر المختلف، فهذه مواصفات تنطبق على إيران وأذرعها في المنطقة (والشواهد كثيرة). إجرام «داعش« والتنظيمات الشيعية واحد، إلا أنه في هذا الطرف يحظى بترحيب ودعم مباشرين وعلنيين من إيران و«حزب الله«، فيما تخوض السعودية ودول الخليج حرباً أمنية وإعلامية ودينية ضد الإرهاب والتكفير في المقلب الآخر. وليقدّم السيّد مطالعة ومقارنة بين الإعلام السعودي والنفخ في بوق الفتنة المذهبية في «المنار» ووسائل الإعلام الموالية لإيران. وليشرح سماحته للجماهير العربية والإسلامية أين كان «داعش« عندما ارتكب الأسد مذابح مذهبية بحق أهالي بانياس والحولة وحماة. وليشرح لجمهوره (على الخارطة) أين واجه «داعش« على مساحة سوريا، وكيف وصل «داعش« الى اليرموك والقلمون؟ والأهم أن يخبر السيّد الجماهير حقيقة الحديث الذي دار بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، والذي نقلته المنظومة الإعلامية لـ»حزب الله« بلا خجل. فلدى استقباله الرئيس الروسي، سأل روحاني ضيفه: «هل نستطيع أن نتوافق سيادة الرئيس على تعريف الإرهابي؟». كان جواب القيصر سريعاً: «هذا أمر سهل جداً سيادة الرئيس. كل من هو ضدنا إرهابي، وكل من هو معنا ليس إرهابياً». وخلصت المنظومة الى القول، إن «الجملة خلطت الجد بالمزاح، لكنها تختصر معادلة فرضت نفسها في الميدان»! (هكذا بالحرف).

وفي إطار تهجّمه غير المسبوق على السعودية، كشف السيّد عن «عرض قدّمه الأميركيون الى بعض قادة الشيعة في المنطقة الشرقية للانفصال عن السعودية»! ويتابع سماحته، أن «علماء الشيعة هناك رفضوا الانشقاق والانقسام والتقسيم». جميل. لماذا لا يتمثّل السيّد بشيعة المنطقة الشرقية؟ قبل شهور، أطلّ نصرالله على اللبنانيين والعرب، ليعلن رفضه «تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ». وهو، بحسب قوله، ما تفعله أميركا وإسرائيل والسعودية في سوريا! يومها، كان الوسيط الإيراني بين «أحرار الشام» من جهة وجيش الأسد و«حزب الله« من جهة أخرى، يقترح «الترانسفير المذهبي» لأهالي الزبداني باتجاه إدلب، مقابل خروج عائلات الفوعة وكفريا باتجاه دمشق والقلمون والقصير، كحلّ أولي للاشتباكات الدائرة في الجغرافيّتين. كيف لمن يعمل على تهجير الأهالي الأصليين لمدن وقرى القلمون والقصير وحمص، ويطرح الترانسفير المذهبي، لإنشاء «سوريا المفيدة»، أن يقنع الجماهير العربية والإسلامية بأن التقسيم هو مشروع صهيو-أميركي؟ اللهم إلا إذا كان السيّد ينفّذ أجندة أميركية! 

ربما لا يكترث الإيرانيون لإعدام الشيخ نمر النمر أو غيره. من يضحّي بالشيعة العرب في حروب الولي الفقيه، لا يمكن أن يحزن لإعدام رجل. ما يزعج الإيرانيين، أو ربما ما يقوله المنطق الفارسي التاريخي: كيف يجرؤ التنابل والكسالى والفاشلون على مواجهتنا؟ الحلول والحوارات في المنطقة، بنظر الإيرانيين، هي أن تتحول الشعوب العربية الى أهل ذمة في ظل جيش الولي الفقيه. وأن ترسل طهران خلاياها وأطنان الأسلحة الى الكويت والبحرين والإمارات والسعودية، من دون أن يكون للعرب الحق حتى في الاعتراض أو الاستنكار.