هزيمة السعودية في اليمن هي مفتاح الحل في المنطقة
نصرالله يقترب من رؤية بري و«يحفظ» عون.. و«التفاهمات»
نظرتان ميزتا الخطابين الأخيرين للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في ذكرى عاشوراء، إحداهما إقليمية، متشائمة بالحل، والأخرى محلية تتسم بالتفاؤل، لكن الحذر، بالتوصل إلى حل للمعضلة الداخلية.
هما خطابان بمضمون واحد، وإن اختلفا في الشكل، إذ يحمل عادة خطاب النهار تكثيفا للمحتوى عنه في الليل، لكنهما خطابان متكاملان.
في كلام «السيد»، إشارة واضحة الى أن المنطقة مقبلة على توتر وتصعيد، بعد أن كان المشهد مختلفا قبل أشهر، عندما بدا كأن المنطقة أمام فرصة الدخول في مسار التسويات السياسية.
هو مشهد سلبي من سوريا الى العراق الى اليمن والبحرين… يبدأ بفشل الحوار الأميركي الروسي، ويستمد زخمه من مجزرة صنعاء في اليمن، ويُستكمل بالتوتر العراقي ـ التركي، وما يحكى عن توتر مصري ـ سعودي… برغم ذلك، أعطى «السيد» كلمة السر لافتتاح مسار الحلول في المنطقة: هزيمة السعودية في تورطها اليمني.
وقد انطلق في مقاربته اليمنية، التي اتخذتها المسيرات العاشورائية عنوانا لها، من مجزرة مجلس العزاء في صنعاء، في نقده اللاذع للنظام السعودي، مصحوباً بصيحات «الموت لآل سعود»، على «الخطأ التاريخي» الذي ارتكبه النظام السعودي مع اعتباره أنه سيسجل نصراً حاسماً وسريعاً، وهو الذي يقف معه تحالف عربي، ومن ورائه الولايات المتحدة الأميركية.
هزيمة السعودية في اليمن تكمن في مجرد قبولها بالحل السياسي مع رفض الفريق الآخر الاستسلام للشروط السعودية، فضلا عن الوقائع الميدانية التي تتحرك وتتطور ضد آلة القتل والحرب. أما إذا أصرت على الحرب، فهي لن تخسر اليمن فقط، بل ستخسر نفسها. وهو ما عبر عنه السيد نصرالله بقوله إنها ستسير عندها إلى الهاوية. وهو لا يتحدث هنا «عن حماسة ولا عن شعارات بل عن وقائع».
هي معركة حاسمة مع السعودية تلك التي يقودها «السيد»، وكانت لافتة للانتباه إشارته الى أن الفكر الوهابي أساس كل إرهاب في هذا العالم، بل ذهب الى حد تشبيه مأساة اليمن بكربلاء، إذ كما فيها مشهد للأحزان والآلام والدموع، تحمل «مشهداً للحماسة والشجاعة والفروسية وللبطولة والثبات والصمود في وجه آلة القتل السعودية الأميركية المتحالفة مع شياطين آخرين».
هو ينطلق في مقاربته اليمنية بحكم اطلاعه على تاريخ اليمن وحاضره، ويقينه أن هزيمة المملكة في اليمن ستقود الى هزيمة مشروعها في البحرين… من ثم هزيمة هذا المشروع في سوريا لكون السعودية هي التي تعرقل الحل في هذا البلد. إنه السياق الطبيعي للتاريخ الذي يكتب في المنطقة، حسب «السيد».
على أن الأهم في ذلك الكلام العاشورائي، بالنسبة الى اللبنانيين، يتمثل في المغزى المحلي لكلام «السيد».
من ناحية أولى، كان تأكيد التمسك بترشيح العماد ميشال عون الى الرئاسة. وهو أمر ليس بجديد على «حزب الله»، ذلك أن هذا الترشيح يعود الى ما قبل الانتخابات الرئاسية عام 2008، بل يسبقها في الواقع الى عام 2006…
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة الى ما قاله نصرالله بوجوب التفريق بين التصعيد في وجه السعودية، وترشيح عون الى الرئاسة. إنها في الواقع دعوة الى الفصل بين الشأنين الإقليمي والمحلي.
ومن المفيد التذكير بدعوات عديدة وجهها نصرالله الى الخصوم في لبنان، مؤداها أن دعونا ننتج الحلول في لبنان «ولنتقاتل في سوريا».
وهذه الدعوة الى الفصل بين الإقليمي والمحلي، لا تنفك عن دعوة «السيد» الى حفظ استقرار البلاد، حفظاً للسلم الأهلي الذي هو «خط أحمر، وأساس لكل شيء، للسياسة، الاقتصاد، الانتخابات، للرئاسة ولحل الأزمات المعيشية». كما أن ذلك لا ينفصل عن تقديم كل الدعم والمساندة للجيش اللبناني وللأجهزة الأمنية، بمعزل عن أي ملاحظات سياسية.
على أن نصر الله قيّم بإيجابية الحركة الأخيرة للرئيس سعد الحريري مشيداً بشجاعته، ومسلماً للعلن بإمكان ترؤسه الحكومة المقبلة في إطار ترؤس عون للجمهورية، وهو ما عاد نصرالله الى تأكيده في وجه «الاتهامات… فنحن أهل الصدق وأهل الوفاء ونحن أهل الالتزام بالموقف، هكذا كنا وهكذا نبقى، لا يتغير عندنا شيء. برغم الاتصالات الدولية والإقليمية وضغوط بأشكال مختلفة حتى نتراجع عن هذا الالتزام».
من ناحية ثانية، يبدو أن نصرالله اقترب من «سلة» الرئيس نبيه بري بدعوته الى التفاهم والحوار «من أجل إنجاز هذا الاستحقاق»، مع «حفظ» ترشيح عون الى الرئاسة.
كما أن «السيد» غمز من تفاهمات أخرى أنجزت بين عون وزعيم «القوات اللبنانية» سمير جعجع، كما بين عون والحريري، في سبيل سلة ترضي الجميع. فلم لا تنجز يا «جنرال» تفاهمات أخرى مع بري والنائب سليمان فرنجية وغيره كالنائب وليد جنبلاط؟
وكانت لافتة للنظر دعوته الى تفعيل العمل الحكومي والعودة «بشكل كامل» الى الحكومة، في مقابل التزام مكونات الحكومة بالميثاقية والشراكة. كذلك الى إشارته الى تأليف حكومة في المستقبل يشارك فيها «الجميع».
كما انه من الأهمية بمكان التوقف عند دعوة نصرالله الى فتح أبواب المجلس النيابي على المستوى التشريعي، في سبيل ملفات هامة، مقراً بأن الحزب يختلف في ذلك عن بعض حلفائه وأصدقائه، في إشارة الى «التيار الوطني الحر».
ثلاثة مسارات محلية واضحة: تشجيع الحريري، دعوة «الجنرال» للقيام بمبادرة ما باتجاه عين التينة، تأكيد الالتزام الرئاسي المستمر منذ أكثر من سنتين مع العماد عون.