هل حان اليوم الذي يسعى فيه رئيس الجمهورية ميشال عون و”التيار الوطني الحر” الى التحرر من عبء التحالف مع “حزب الله”؟ يبرر السؤال ما شهدته الساعات الماضية من مواقف نارية ورسائل من نواب “الوطني الحر” الى “حزب الله”.
لم يخرج “الوطني الحر” بتوصيف لما ردده محازبوه، ولا “حزب الله” إرتضى الخروج عن صمته. بين الحليفين الصامد حلفهما منذ العام 2006، عتب دفين وزعل مستجد على خلفية عدم التصدي لرئيس تيار “المردة” في هجومه على العهد، وتصويت وزراء “الحزب” ضد مشروع سلعاتا، وقبل هذا وذاك ملف الفساد.
لـ”التيار الوطني الحر” شعور بأن عهد ميشال عون بات مهدداً بفعل الفشل في معالجة الملفات المتعلقة بالفساد وتوقيف الفاسدين. يعتبر أنه الوحيد الذي رفع الغطاء عن الفاسدين ضمن بيئته بينما لاذ الآخرون بالصمت. يخوض معركة تحالفه مع “حزب الله” بوجه العالم بينما لا يلاقيه الأخير إلى منتصف الطريق.
لم يحمل كلام نواب “التيار” جديداً، وما قيل لم يكن الا عيّنة من النقاشات التي تشهدها اجتماعات الهيئة السياسية داخل المكتب المركزي لـ”التيار”. خلال تلك الإجتماعات طرح محازبون أسئلة حول إنعكاس التحالف مع “حزب الله” على شارع “التيار” وعلى علاقته بالمجتمع الدولي ووضع العهد. عدم إمكان “التيار” منع محازبيه من التعبير عن أفكار وتوجهات لا تعني بالضرورة “ان السوء يحكم العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، ولا أن التفاهم المبرم بينهما معرض للإهتزاز كما يتنبأ البعض”.
في تبريرها للهجمة تقول مصادر مسؤولة ان “التيار لم يعد يجد المبررات لشارعه عن الاخفاقات المتكررة على مستوى بناء الدولة ومواجهة ملفات الفساد”. ربما كان المقصود هنا ان لجمهور “التيار” عقلية خاصة يجب مراعاتها، وإذا كان جمهور الثنائي الشيعي يتماهى مع زعيمه أياً كانت توجهاته، فان جمهور “التيار” لا يصمد ومستعد للهجرة عند أول مفترق، هو جمهور لا مشكلة لديه مع الغرب ومصالحه وامتداده غربي منذ سنوات طويلة خلت. هي سوسيولوجية المجتمع المسيحي والماروني على وجه التحديد، التي تختلف بتركيبتها عن تركيبة الجمهور الشيعي، مقياس الشرعية في الشارع المسيحي يحصل بشكل يومي تقريباً وليس ثابتاً على الدوام. باستمرار يجب العمل على تغذيته لان ضعفه يهدد “التيار” ويضعف تفاهمه مع “حزب الله”، وتصدي “التيار” للمعترضين يعرضه للإهتزاز داخل قواعده. مهما علَت مونة باسيل على نواب تكتله ولكن ثمة فئة لا ترتدع ولا يمكن اسكاتها، بالمقابل لا يمكن التبرؤ من رأيها. وعلى “حزب الله”، بحسب “التيار”، أن يسعفه ويلاقيه الى منتصف الطريق في مكافحة الفساد والمساعدة في مشروع بناء الدولة.
داخل “التيار” أصوات تقول لن نقبل ان ينتهي عهد عون بالفشل لأسباب تتعلق بالوجدان الماروني، فاذا “كنا في عهده لم نستطع ان نبني دولة فما الذي ينتظرنا بعد، وكيف نحافظ على مصداقيتنا امام جمهورنا، وهل نكسب الملف الاستراتيجي وننتظر في الملفات الداخلية حل المشكلة بين ايران واميركا”؟.
يحذر “التيار” من ان تفشي الفساد وعدم المحاسبة يقوّضان الدولة ويضربان المقاومة، بينما يحاذر “حزب الله” التعاطي مع مثل هذه الملفات لحساسيتها داخل الطائفة. هي معركة على المحك، بالنسبة الى “التيار” الذي لا يزال يَعد، بانتظار الوعد الذي قطعه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بعد الانتخابات النيابية، بمكافحة الفساد. مرت الانتخابات وما بعدها، والملف لم يبلغ نهايته المفترضة. لا يخلف السيد وعداً ولكن هل يكفي ان يعلن “حزب الله” عن ملفات الفساد ثم ينكفئ عن السير بها الى نهاية المطاف؟ واذا كان يتجنب احراج حلفائه فماذا عن شعبية “التيار” وجمهوره ومحازبيه؟ وكيف يواجه القائلين داخل تياره لدى السؤال عن أن كل المفسدين ممن تم توقيفهم من المسيحيين، فيما لم يتم توقيف فاسد واحد شيعي أو سني؟ حتى حاكم مصرف لبنان صار متهماً من قبله وأمّن حمايته الشيعة.
الموضوع الخلافي الثاني مرتبط بملف الفيول المغشوش وسلعاتا على وجه التحديد، اذ وبحسب المصادر عينها، “لا يمكن ان تكدس ملفات الفساد في عهدتك ولا تصل فيها الى نتيجة، بينما انا أتلقى ضربات مباشرة وحين يتصل الامر بفساد يتعلق بحليفك تتنحى جانباً. ثم يصوت وزراؤك ضد سلعاتا في مجلس الوزراء. وهل يرضى “حزب الله” بهجوم فرنجية على العهد وتماهيه مع سعد الحريري؟”. ما يرغب في قوله لحليفه: “لا يمكن ان تتحالف معي بموضوع السلاح وتتخلى عني بمشروع بناء الدولة وتسقطني في مجلس الوزراء، فما الذي تحاول قوله وانت تعرف ان جمهور التيار لا يرحم والنقاشات والآراء الصاخبة لا يمكن وأدها، واذا كنا فشلنا في بناء دولة في عهد ميشال عون الزعيم المسيحي الاقوى الذي أخذ المسيحيين نحو الشرق، فما الذي ينتظرنا بعد؟”.
ليست هي مسألة انقلاب باسيل و”التيار” ضد “حزب الله” وليس لدى “التيار”، وفق المصادر المسؤولة “ما يخفيه او يخجل منه وما يقوله لحلفائه يردده في مجالسه مع الاميركيين، ومهما كانت وجهة الخلاف فـ”التيار” لا يسلم رأس المقاومة، حتى ولو كان المطلوب مساعدات صندوق النقد وهو يكرر دائماً انه مع الانفتاح على الخارج ضمن حدود السيادة، ويعتبر ان “حزب الله” جزء من سيادة لبنان”.
ترفض الاوساط عينها ربط ما حصل بمعركة الرئاسة، “فهذه المعركة لم يبدأها باسيل ولا يمكن ان يبدأها في عهد عمه”، مذكرة بأن “من باشرها هو سليمان فرنجية ونكاياته منذ جلسة انتخاب الرئيس في مجلس النواب”.
والى الاختلاف على الملفات ثمة اختلاف من نوع آخر محوره رغبة “حزب الله” حصر التفاهم بين رئيس الجمهورية ميشال عون والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، بينما يريده رئيس “التيار” جبران باسيل تفاهماً بين قيادتين تلزمه آليات ولجان نقاش وانفتاح لتكريس التفاهم.
رغم كل تباين واختلاف يتقاطع الطرفان على تفاهم استراتيجي بينهما، وأي تفسير آخر للإختلاف “هو وهم يسعى إليه الذين يعملون لتخريب العلاقة”، غيمة صيف ربما تنتهي مع ذاك اللقاء الذي صار متوقعاً ولو لم يتحدد تاريخه بعد، يوم يحل رئيس “التيار” ضيفاً على الامين العام لـ”حزب الله” ليبنى على الحديث مقتضاه.