IMLebanon

نصرالله يعلن بإسم «إجتماع ٩ حزيران» إستراتيجية حرب الحسم في حلب

 

يعكس كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير عن أنّ لمعركة حلب منزلة استراتيجية داخل كلّ معادلة الحرب والأزمة السورية، الخلاصة الاستراتيجية التي طرحها الإيرانيون على الروس خلال اجتماع وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا يوم ٩ حزيران في طهران.

ترى مصادر مطلعة أنّ إعلان نصرالله الصريح عن التزامه الذهاب إلى الحرب في حلب بوصفها المعركة الاستراتيجية والأهم من بين كل المعارك الاخرى التي تشهدها الساحة السورية والتي يتوقّف على نتائجها الإمساك بناصية حسم ملف الأزمة السورية بشقيها السياسي والعسكري، يُعتبر أوّل إفصاح ولو غير مباشر عن القرار الكبير الذي توصَّل اليه اجتماع وزراء الدفاع الثلاثة في طهران يوم ٩حزيران والذي تمّ التكتم على تفاصيله وخلاصاته، في مقابل سيل التكهّنات العربية والغربية التي تساءلت عن حقيقة ما حصل فيه.

ويوضح مضمون ما تسرّب لـ«الجمهورية» من وقائع اجتماع ٩ حزيران، أنّ خطاب نصر الله جاء ليؤشّر الى أهمّ نقطة أُثيرت خلاله، وهي تركيز وزير الدفاع الإيراني حسين دهقاني خلال نقاشاته مع نظيره الروسي سيرغي شويغو على المكانة الاستراتيجية لمعركة السيطرة على حلب داخل كل الأزمة السورية، وأنّ شويغو وافق على هذا التوصيف وهذه الرؤية لحلب داخل استراتيجية العمل التي يجب اتباعها في هذه المرحلة، على رغم أنّ موافقته بقيت غير واضحة لجهة ما إذا كانت موسكو توافق ايران على إسقاط المدينة كاملة أو أنّها تُريد الاكتفاء بتطويقها من جهاتها الاربع.

وتكشف المعلومات التي رواها لـ«الجمهورية» مصدر ديبلوماسي تحت عنوان «نصر الله يعلن باسم روحية اجتماع ٩ حزيران عن استراتيجية الذهاب لحرب الحسم في حلب»، عن وقائع تميط اللثام عن اسرار لقاء طهران الثلاثي وتتمثل بالآتي:

أولاً – إنّ فكرة عقد اجتماعات دورية لوزراء دفاع ايران وروسيا وسوريا لتنسيق جهودهم العسكرية في سوريا، هي في الاساس فكرة إيرانية وقوامها أنه في مقابل التحالف الدولي لمحاربة «داعش» الذي تشكّ طهران في جديته، يجب إنشاء «محور مستقل يجمع الدول الثلاث لمحاربة الارهاب جدياً». هذه الاستراتيجية التي توصف في طهران بأنها سياسة عليا، طرحها المرشد الأعلى للثورة الاسلامية السيد علي خامنئي على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما.

ويقول مطلعون إنّ بوتين وافق عليها مع ميله إلى عدم الإعلان عنها حتى لا يؤدي ذلك الى تعقيد علاقات موسكو بالغرب والعرب. وفي شباط الماضي، حمل دهقاني رؤية عملية عن هذه الفكرة الى موسكو، وطرحها هناك على شويغو. وفي غضون ايام قليلة وصل شويغو الى طهران ليستكمل نقاشها بشكل معمّق وتفصيلي.

ثانياً – يأتي اجتماع ٩ حزيران كتطبيق لروحية مسار اتفاق بوتين – خامنئي الذي عمل دهقاني على إنتاج آلية تنفيذية له مع شويغو، لينتج عن ذلك إضافة وزير الدفاع السوري إليهما، ويبدأ بالتالي مسار اجتماعات وزراء الدفاع الثلاثة لتنسيق الجهد العسكري المشترك في سوريا. ولكنّ أهميّة اجتماع ٩ حزيران لا تتأتّى فقط من أنه تجسيد لمسار استراتيجية إنشاء محور مستقل لمقاتلة الارهاب، بل لأنّ توقيته أضاف خصوصية مهمّة له.

فهو انعقد في ظرف كان يشهد تبايناً بين موسكو وطهران لجهة تقويمهما للهدنة الهشّة التي أعلنت منذ اشهر في سوريا برعاية أميركية – روسية. صارَح دهقاني في الاجتماع نظيره الروسي بأنّ الهدنة أعطت الجماعات المسلحة ما تحتاجه من الوقت الثمين لإعادة تنظيم قواتها ومدّها بأسلحة نوعية جديدة استعملتها لخرق الهدنة خصوصاً في حلب وريفها الجنوبي.

وعرض أمامه كيف أنّ «جبهة النصرة» والفصائل المتحالفة معها وظّفت الهدنة لتعزيز مواقعها في خان طومان وحلب، ومن ثمّ شنّ هجمات تقدم سريع على مواقع الجيش السوري في محافظات اللاذقية وإدلب وحماه. وقدّم الطرف الايراني معلومات استخبارية عن وجود حشود إضافية للمسلحين شمال غرب حلب معزّزة بمدرّعات عسكرية.

وأفادت الخلاصة الاستراتيجية التي وضعها دهقاني أمام شويغو بأنّ «استغلال «جيش الفتح» للهدنة مكّنه شنّ هجوم موسّع من خلال غرفة عمليات مشتركة نسّقت تواصل تدفّق الدعم اللوجستي والعسكري عبر الحدود التركية، ما مكّنه السيطرة على بلدات مهمة عدة في ريف حلب الجنوبي خلال مطلع هذا الشهر، وبالتالي فإنّ استمرار تقدم «جيش الفتح» وحلفائه في ريف حلب الجنوبي يُهدّد قوات النظام وحلفائه بأخطار كبيرة. والمطلوب إيقافه والمبادرة إلى خوض معركة حلب وحسمها لأنّ ذلك يؤمّن إحداث تحوّل كبير في الميدان السوري وفي المعادلة السياسية».

والواقع أنّ نقاش معركة حلب ومنزلتها داخل معادلة الحرب والحل في سوريا، أخذ الجزء الاهم من اجتماع ٩ حزيران، والفكرة الاساسية التي طرحها الطرف الايراني على هذا الصعيد، ركّزت على أنّ حسم معركة حلب سيُحدّد مسار العملية التفاوضية وكل مسار الازمة السورية بشقّيها العسكري والسياسي. وأكد أنّ «الميدان المجدي» في الحرب السورية هي معركة حلب، وذلك من بين كل ميادينها الأخرى.

وتقول المعلومات المستقاة من المصادر عينها إنّ موقف روسيا تمثل في الموافقة على وجهة نظر إيران لجهة أنّ لمعركة حلب منزلة مفصلية في كل النزاع الناشب في سوريا، مع لفته أيضاً الى اهمية التنسيق العسكري في درعا تزامناً مع التنسيق في حلب.

ودلّلت التصريحات التي أعقبت اجتماع ٩ حزيران على التوافق الذي حصل خلاله على ضرورة خوض معرك حلب؛ فالرئيس السوري بشار الأسد وجّه للمرة الأولى كلاماً تهديدياً إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال فيه إنّ حلب ستكون مقبرة آماله؛ فيما صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ «موسكو لن تسمح بسقوط حلب الاستراتيجية في أيدي الارهابيين وستدعم النظام بكل الوسائل لمنع سقوطها»، ليعلن نصرالله أخيراً أنّ «التحالف الذي ينتمي اليه ذاهب لمعركة حلب الاستراتيجية والأهم والمجدية».

ومع ذلك، لا تزال هناك تباينات ماثلة بين الموقفين الروسي والايراني؛ إذ إنّ لافروف لا يتحدث عن «تحرير حلب» بل عن «منع إسقاطها» في يد الارهابيين، بينما نصرالله المعبّر عن توجهات دمشق وطهران داخل معادلة الأزمة السورية يعلن عن التحضّر لتحريرها…

وبالنسبة إلى متابعي اجتماع ٩ حزيران، يبدو واضحاً أنّ الروس مستاؤون من واشنطن التي قدّمت تعهّدات إلى موسكو على علاقة بإعلان الهدنة لم تُنفّذها، وبالتالي ذهب شويغو إلى اللقاء العسكري الثلاثي في طهران بدافع تطيير رسائل لكلّ الأطراف المتدخلين في الازمة السورية، وبينها إدارة اوباما، ولكنّ بوتين في الوقت نفسه لا يزال حذراً تجاه الذهاب بسياسة عسكرية في سوريا تجعل الغرب يعتقد أنّ هناك توحّداً كاملاً بين الجهدين العسكريّين الروسي والايراني في سوريا.

ويبقى السؤال كيف ستترجم روسيا ميدانياً في سوريا قرارات اجتماع ٩ حزيران: هل ستذهب إلى نهاية المشوار في تحرير حلب كما تريد طهران ودمشق، أم أنها ستجد حلاً وسطياً يقضي بالاكتفاء بتطويق المدينة من جهاتها الاربع وجعلها ورقة ميتة إقليمياً وعسكرياً، خصوصاً أنّ هناك حتى داخل حلقة القرار العسكري في دمشق، مَن يرفع شعار عدم دخول كل المدينة لأنّ ذلك سيُعرّضها للتدمير وسيجعل منها بدعم من الاعلام الغربي، «ستالينغراد» الثورة السورية.

الأسابيع المنظورة ستظهر كيف سيُترجم الروس والإيرانيون فوق الميدان قرارات اجتماع ٩ حزيران في شأن حلب وغيرها من ملفات الحرب السورية، علماً أنّ طهران حريصة على عدم تأويلها أو تمييعها، بدليل أنها أوكلت بحسب معلومات «الجمهورية» إلى الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الجنرال علي شمخاني متابعة حسن تنفيذها.