تكتسب ذكرى عاشوراء في لبنان، كما في العالم، هذه الايام،بعدا سياسيا ناجم عن الصراع السني-الشيعي المتوهج تحت رماد الفتنة النائمة، حيث سجل حضور كثيف لجمهور حزب الله، مهد له السيد حسن نصر الله في اطلالته المباشرة في ليلة اليوم العاشر، داعيا الى استفتاء ضد الخوف في المواجهة مع الارهاب، حيث اكتسبت الذكرى، هذا العام، بعدا عسكريا أيضا عبر استعراض القوة الذي قدمه الحزب، تجلى بوضوح في الشاحنات المغطاة بالغبار الكثيف في ايحاء انها آتية للتو من معارك سوريا.
خطاب السيد حسن نصرالله الذي حمل معه كل عناصر تأزم الواقع اللبناني كامتداد للصراع المتفجّر في المنطقة، ولا سيما في سورية واليمن وللاستقطاب الحاد بين السعودية وإيران الذي يشكّل الرقعة الإقليمية للكباش الدولي الدائر والذي ترتسم من خلفه ملامح نظام عالمي جديد تحاك توازناته بـالدم، جاء ليزيد المخاوف من فرط عقد طاولتي الحوار، في ترجمة داخلية لهجوم امين عام حزب الله على السعودية، بعد موجة الخطابات الحادة في الايام الاخيرة على خط المستقبل – حزب الله، حيث اشارت مصادر «الازرق» الى ان الحملة تأتي في سياق تصعيد اقليمي مستمر منذ انطلاق قطار التعطيل الايراني للمؤسسات الدستورية.
فانطلاقاً من هذا السقف الاقليمي العالي، والتجاهل المتعمد لتفاصيل الملف الداخلي، ظهر الامين العام لـ «حزب الله» مرتين وشخصيا امام الحشود، في أقل من 24 ساعة، خطيباً في الليلة الاخيرة من عاشوراء، وفي ملعب الراية في ضاحية بيروت الجنوبية. خروج لم يكن هذه المرة كالمرات السابقة، فالظروف الامنية تزداد سنة بعد سنة، والخطر حول شخصه يكبر أكثر وأكثر، ما يرتب مسؤولية كبيرة على امن حزب الله عموما والامن الشخصي للسيد، في البقاء على جهوزية تامة والتطور أكثر للتماهي مع كبر حجم الخطر وازدياده، رغم ان ما حصل بات يؤكد أن أمنه قادر على تحديد التوقيت والمكان المناسبين لخروجه الى الجماهير المنتظرة لقاءه.
من جهتها قرات اوساط قيادية في الرابع عشر من آذار،في لهجة السيد نصرالله ان الدور الايراني وضمنه الحزب في سوريا اصبح مختلفا بعد توقيع الاتفاق النووي وبعد تسلم روسيا زمام الامور العسكرية في سوريا لاكثر من سبب، وفي طليعة هذه الاسباب اضطرار ايران الى الانسحاب من دور الطرف في الصراع السوري الى دور المشارك في التسوية السياسية، متوجسة مما قد تحمله الايام المقبلة من سعي الحزب وحلفائه الى التفرغ للساحة اللبنانية تنفيذا لامر العمليات الذي اصدره سيد المقاومة في خطابيه الأخيرين، متوقعة نوعا من التصعيد العالي النبرة من جانب مجموعات الحراك المدني المتأثرة بهذا الفريق عبر استخدام ملف النفايات للضغط السياسي على طاولة الحوار او على صعيد التعطيل الحكومي، بعد الاضرار التي خلفتها «الشتوة» الثانية.
اطلالتان وتحديان، لاسرائيل وللتكفيريين،ورسائل بالجملة والمفرق، وزعها ووجهها السيد بمعظمها للخارج و«القليل» للداخل في أكبر استفتاء على شعبية «حزب الله» وصوابية خياراته وقراراته. ففي التاريخ العاشورائي الحديث،لم يسبق لمسيرات عاشورائية أن كانت بهذه الكثافة، ولم يسبق للسيد حسن نصرالله أن اطل شخصيا وفي أقل من خمس عشرة ساعة مرتين، متجاوزا الاعتبارات الأمنية، ومتحديا المخاطر المحدقة بسلامته والمهددة لحياته، ولم يسبق لهذا الاستنهاض الحسيني أن كان بهذا الزخم، ولهذه التعبئة العاشورائية ان بلغت هذا المدى،و لم يسبق لكلام السيد ان كان بهذا التركيز والتصويب على المشروع الأميركي وأهدافه وأدواته،ولم يسبق لجمهور المقاومة الذي لطالما هتف بالموت لأميركا واسرائيل، ان أضـاف آل سعود إلى القـائمـة لترتفع القبضات وتصرخ ليومين: الموت لآل سعود.