اضطر الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الى توضيح ما فهمه الرأي العام اللبناني من كلامه عن اعتبار العماد ميشال عون ممراً الزامياً للانتخابات الرئاسية على انه خطوة متقدمة على طريق التراجع عن اعتباره المرشح الأوحد لدى الحزب. أثار هذا الاستدراك باعتباره خطوة نادرة يمكن ان يقدم عليها الأمين العام للحزب تفسيرات متناقضة ورسم علامات استفهام حول مغزاها ومقصدها، خصوصاً انها أتت في أعقاب زيارة قام بها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لبيروت ووجه منها رسائل انفتاح. لكن هذا الانطباع او التفسير لكلام السيد نصرالله لم يقتصر على وسائل الاعلام أو على الفريق السياسي الخصم، بل شمل سياسيين من قوى 8 آذار كان لهم ردّ الفعل نفسه في تفسير هذا الموقف لدى اعلانه، وهو الأمر الذي دفعهم الى استيضاحه من مصادره من أجل محاولة تبين حقيقته وخلفيته. وينقل هؤلاء أن كلام الامين العام للحزب تمّ فهمه خطأ وتم تحميله أكثر مما يحتمل لجهة تراجع الحزب خطوة الى الوراء في موضوع دعم العماد عون للرئاسة دون سائر الخيارات الأخرى. ويعزز هؤلاء السياسيون رأيهم بأن الحزب لن يبلغ حليفه المسيحي الأساسي موقفاً مماثلاً بهذه الأهمية عبر شاشة التلفزيون بل أنه حين سيتم التوصل الى تفاهم أو حلّ على الموضوع الرئاسي فانه سيتم طبخ المخرج الذي يحفظ ماء الوجه للجميع. ويعود ذلك الى اقتناع بأن الحزب كما سواه من القوى السياسية يدرك جيداً بأن حظوظ العماد عون في الرئاسة الاولى ليست كبيرة على الاطلاق لكن قد يكون مبكراً في المرحلة الراهنة اظهار أي تراجع ولو على سبيل حسن النية أو ابداء ايران الرغبة في الحوار مع الدول العربية الخليجية لأن التخلي عن أي ورقة راهناً انما هو بمثابة التخلي عنها في الوقت الضائع في ظل عدم وجود من يمكن ان يتلقفها. فاذا كانت المملكة السعودية وفق ما هو مفترض ومتوقع الطرف الذي سيتلقف المبادرة في حال وجدت في هذ الاطار، فانه ليس أكيداً أو واضحاً ان المملكة جاهزة في الوقت الحالي لذلك في ظل انشغالات قوية لها في اليمن وسوريا كما في انشغالات داخلية موازية. وتالياً فان رمي ورقة احتمال التخلي عن التمسك بالعماد عون لن يكون مربحاً في هذا التوقيت لأنها ستكون من دون ثمن، في حين أن واقع الأمور يدفع نحو توقع ان لهذه الورقة أثماناً استناداً الى تعطيل الرئاسة لما يزيد على سنة وثلاثة أشهر حتى الآن من أجل بيعها في الوقت المناسب. ومن هذه الزاوية فان الورقة المتصلة بعدم التخلي عن اعتبار العماد عون مرشحاً وحيداً يرتبط به استمرار تعطيل انتخاب رئيس جديد للرئاسة قائماً حتى اشعار آخر في غياب أي مؤشرات على معطيات مختلفة عملاً بالمعادلة التي تقول أن لا تغيير في الستاتيكو الراهن ما لم تفرض معطيات خارجة عن المألوف هذا التغيير وفق ما تؤكد مصادر سياسية. فكل فريق سيبقى محافظاً على اوراقه من دون تعديل في انتظار ما تحمله التطورات الاقليمية على أكثر من صعيد وفق ما يشير رئيس مجلس النواب نبيه بري مشدداً على أن اليمن يمكن ان تشكل الاختبار الاول في هذا الاطار.
وتبعاً لذلك، فان أي جديد غير متوافر على خط هذا الملف كما سائر الملفات. اذ ليس لدى اي فريق ما يمكن ان يعطيه للعماد ميشال عون من أجل ان يفك اسر مجلس الوزراء، ولا احد يعرف ما الذي يمكن ان يقدمه في ضوء اعتقاد واسع حتى لدى حلفاء التيار من انه يصل دوماً متأخراً الى المفاصلة حيث لن يرغب أحد في شراء الطروحات التي يسوقها بعدما يكون جرت “عمليات الشراء والبيع”. فالاقتراحات التي يتم تداولها من أجل محاولة ارضاء العماد ميشال عون من أجل وقف تعطيل وزرائه أعمال مجلس الوزراء وتالياً شؤون المواطنين لا تبدو قابلة لان تعتمد. اذ ان رئيس مجلس النواب نبيه بري كان ولا يزال واضحاً في مسألة عدم الخضوع لفرض شروط عليه من أجل فتح دورة استثنائية لمجلس النواب من أجل اقرار الاقتراحات الموجودة في التداول. وثمة مشكلة في الاقتراحات نفسها المتعلقة بايجاد مخرج يسمح بترفيع عمداء في الجيش الى رتبة لواء وقصر الاختيار على بعض العمداء دون سواهم ما يترك علامات استفهام كبيرة يتردد ان العميد روكز ليس في وارد القبول بها أصلاً مراعاة منه للحساسية التي يمكن ان يثيرها ذلك في الجيش. وهو الأمر الذي يمكن ان يعني استمرار عرقلة أعمال مجلس الوزراء التي يطلق الرئيس تمام سلام ووزراء كثر الصرخة تلو الصرخة من أجل انقاذ قروض تزيد على الملياري دولار موضوعة على جدول أعمال مجلس الوزراء ومجلس النواب على حدّ سواء اضافة الى مشكلة رواتب القطاع العام.
وفيما يسود اعتقاد ان الحزب والتيار لن يتركا وصول الأمور الى هذا الحدّ نظراً الى انه يرتب مسؤولية لن يكون في قدرتهما تحملها أمام جمهورهما وأمام اللبنانيين أقلّه، فان مصادر ديبلوماسية غربية تأسف أن يعيش لبنان انتظاراً مضنياً ومكلفاً جداً لتسوية داخلية يفترض أنها واضحة المعالم في عناوينها في ضوء التطورات التي لا يمكن ان تفضي سوى الى رئيس يوافق عليه الجميع ويكون محل اجماع على الأقل.