Site icon IMLebanon

يحق لنصرالله ما لا يحق لغيره.. في مكافحة الإرهاب

 

«نحن ضد التدخل العسكري الأميركي وضد التحالف الدولي في سوريا، سواء كان المستهدف هو النظام السوري مثل ما كان سيحصل قبل عام ونيف، أو المستهدف هو داعش وغير داعش«.

من يسمع هذا الكلام سوف يظن للوهلة الأولى أنه صادر عن حكومة سويسرا أو أي بلد آخر من دول العالم المتقدم والمتحضر لا تؤيّد حكومته أعمال القتل والذبح من أي جهة أتت. لكن المفاجئة أن هذا الكلام خرج عن لسان الأمين العام لحزب سقط له حتى اليوم أكثر من ألف قتيل وما يقارب الثلاثة آلاف جريح في حرب يرفض أن تنتهي لأسباب تتعلق ببقاء النظام فيها وبقاء حزبه يدافع عنه وهذا ما تبيّن بوضوح من خلال وقوفه ضد التدخل الدولي للقضاء على الإرهاب.

يُدرك الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أن حزبه، وبالتكافل والتضامن مع حلفاء الداخل والخارج، لن يتمكنوا من القضاء على الإرهاب حتى ولو بعد عشرين عاماً، ومع هذا يُكابر ويناور ويُضحي بخيرة شباب البلد ويستمر في عملية اللعب في الوقت بدل الضائع ظناً منه ومن حلفائه أن كل مجريات الأمور إنما تصب في مصلحتهم. ومن هنا وبدل أن يكون الخطاب محطة للتلاقي أو التفاهم بين مكوّنات البلد حول مجموعة نقاط عالقة جاء مبهماً وناقصاً وليذكرنا بتنصلات الحزب السابقة ورفع المسؤوليات عن نفسه وآخرها عملية الخطف التي ما كانت لتقع لولا أن حلّل لنفسه التدخل في سوريا بينما حرّمها على التحالف الدولي.

ساوى السيد نصرالله بين مخطوفي أعزاز ومخطوفي الجيش اللبناني وكان محقاً في هذا رغم اختلاف وجه الشبه بين المهمتين حيث كان الغرض من الأولى الرحلات الدينية والربح المادي. أما في الثانية فقد كان الدفاع عن الوطن هو الأساس. أما قوله إن حزبه لم يتدخل في الموضوع الأول فهو بعيد عن الواقع خصوصاً أنّ الحاجة حياة ومَن معها كانوا يتحرّكون بإيحاء حزبي وبتوجيهات محددة وصارمة، ومن المعروف أيضاً أن الحزب هو من خطط ونفذ عملية خطف الطيارين التركيّين وهو من منع المحاكمة عن الخاطفين.

أمّا قول سماحته إنّ البعض حوّل هذه القضية (المخطوفين) الوطنية إلى مادة للسجال وتوجيه للاتهامات الكاذبة وتصفية الحسابات السياسية وإثارة النعرات الطائفية والتحريض المذهبي اليومي، فهو كلام لا ينطبق على الحقيقة لا في السياسة ولا على أرض الواقع، والدليل الدعوات التي كانت تطلقها قوى الاستقلال بكل فئاتها لتجاوز الخلافات والعمل على فك أسر العسكريين المختطفين بأي طريقة، لكن «حزب الله» وحلفاءه هم من عارضوا الدخول في مفاوضات سواء مباشرة أو غير مباشرة مع الجهة الخاطفة، وقد لاقى أهالي المخطوفين هذه الدعوات من خلال توحدهم وقد دلّت خطاباتهم واليافطات التي رفعوها بكل وضوح على الجهة المعرقلة. مع العلم أن نصرالله اعترف وبالفم الملآن أن مفاوضات «غير مباشرة» جرت فعلاً بين الحزب وتنظيم «داعش».

ويُحسب لنصرالله أيضاً أنه لم يرفع خلال خطابه اصبعه بوجه خصومه. لكن هذا في الشكل، أمّا في المضمون فقد اختزل ببضع كلمات ما يختزنه في داخله تجاه عرسال وأهلها وموقعها تحديداً عندما قال «إذا كنا نريد أن نفتح ملفات من هذا النوع نفتح لكم جرود عرسال وموقعها الجغرافي ودورها والتموين «طالع نازل» والدواء «طالع نازل» وجرحى مقاتلي المسلحين يأتون إلى المستشفيات في عرسال ويتم نقلهم إلى مستشفيات في الداخل اللبناني، والتمويل موجود ونقل السلاح الى عرسال موجود والتسهيلات موجودة». كل هذا يؤكد أن هناك نيّة مبيّتة تجاه هذه البلدة التي هبّت لنجدة النازحين على عكس ما شاهدناه وما ارتكب بحقهم في بعض المناطق خلال اليومين الماضيين وتحديداً في الضاحية الجنوبية من طعنات بالسكاكين وضرب بالعصي وتهجير من المنازل مع غض طرف واضح من الجهات الحزبية الفاعلة في تلك المناطق.

ومن باب حرف الذاكرة، أو قضمها، يقول نصرالله «نحن منذ اليوم الأول عندما ذهبنا إلى القصير أنا أعلنت، وهناك من عاتبني من رؤساء ومسؤولين على قول الحقيقة». لكن هل نسي أن «حزب الله» لم يعلن عن تدخله في سوريا إلا بعد مرور عام تقريباً على الثورة وأنه في البداية أعلن بأن انتشار حزبه لا يتعدى المناطق الحدودية ليتطور لاحقاً الى حماية المقامات الدينية في الداخل السوري ومن ثم الى الدفاع عن نظام بشار الأسد وبكل صراحة؟. وألم يكن أجدى بالسيد أن يقول «لقد ظننا في بداية الأمر أن دورنا سيقتصر على الدعم المحدود لكننا أرغمنا بعدها على الدخول كطرف أساسي في تلك الحرب التي قضت على مجموعات بكاملها كانت دُرّبت وأُعدت بشكل يفوق الخيال للحرب مع إسرائيل؟«.

بكل تأكيد إن نصرالله بالأمس لم يطلّ من أجل رفع المسؤولية عن حزبه وعن حلفائه في ما آلت اليه البلاد فقط ولم يكن المقصود أيضاً فقط أن التوجه الأساس هو للعمل على وحدتنا الداخلية وايجاد حل سريع لقضية العسكريين المخطوفين. بل إن الخطاب تعدى كل هذه المسائل والطروح بشكل كبير وبعيد. ومن يريد الغوص في عمق ما أورده نصرالله خلال كلمته، عليه أن يقرأ ما قاله في هذين السطرين «الآن الحمد لله انتهت الصيفية، ليس هناك موضوع أن يصيف أحد أو يعطل، الكل يجب أن يكون مستنفراً ويقظاً وواعياً ومتابعاً للتطورات، لأنه غير معلوم هذه التطورات إلى أين ستصل».

انتهت كلمة نصرالله لكن بالطبع لم تنتهِ خطاباته، فهناك المزيد منها سوف يُلقيها في الأيام المقبلة وربما قد تكون أكثر حدة من كلمته بالأمس. وحدها والدة الشهيد النقيب سامر حنّا، والتي تسمّرت أمام الشاشة لم ينلها «ثواب» الخطاب. فهذه السيدة كانت تُمنّي نفسها بين مقطع وآخر أن يوجّه لها نصرالله كلمة اعتذار أو مواساة على غرار توجهه لعائلات الشهداء الثلاثة علي السيد، عباس مدلج ومحمد حمية ولو متأخراً. إلاّ أنّ أمنيتها لم تتحقق، ففضلت أن تطفئ الشاشة وأن تخلد للنوم علّه يتذكرها خلال الإطلالة المقبلة.