Site icon IMLebanon

قراءة في خطاب نصرالله

بمعزل عن السجالات والمعارك السياسية والاعلامية. تضمّن خطاب الأمين العام لحزب الله الاخير في ذكرى يوم القدس العالمي جملة من المواقف اللافتة والمفصلية، مواقف من النوع التأسيسي، وتلك التي يُبنى عليها في فهم مآلات الامور، ومستقبل الاصطفافات الاقليمية، وحدود التفاهمات الايرانية ـ الغربية، وموقع «النزاع العربي ـ الإسرائيلي» منها.

تقول مصادر مطّلعة في 8 آذار إنّ الأمين العام لحزب الله كان يخاطب الرأي العام العربي والاسلامي حين تحدّث عن القدس وفلسطين، ولكنه كان يُخاطب ايضاً الاسرائيليين، بما يُفيد أنّ «محور المقاومة» لن يسمح لإسرائيل بأن تستفيد من النزاعات والتناقضات في الدول والمجتمعات العربية، وسيبني على أيّ اتفاق بين إيران والغرب لإعادة تزخيم القضية الفلسطينية وجعل طهران «عُمقاً» استراتيجياً لكلّ حركات التحرر في المنطقة.

وبناء على هذه الرؤية، أعلن السيد نصرالله انّ من يريد فلسطين سيَجِد من إيران كل الدعم والاسناد، وأنها لن تغيّر سياساتها حيال القضية الفلسطينية، والأهمّ في ما قاله في هذا السياق انّ طريق فلسطين تمرّ من سوريا.

وبالتالي، فهو يعلن أنّ ايران ليست في وارد المساومة على القضية الفلسطينية، ولن يكون الاتفاق المتوقع بينها وبين المجتمع الدولي عائقاً في استمرار هذه السياسة. وهذا الكلام، بحسب المصادر نفسها، يؤكد «عدم تضمين أي اتفاق حول النووي الايراني أيّ تفاهمات جانبية من شأنها إخراج إيران من دائرة النزاع مثلما جرى إخراج دول عربية كبيرة ووازِنة منه».

وتضيف المصادر: «السيّد نصرالله كان يقول للعرب والمسلمين إنّ إيران اليوم تمثّل تطلّعات الأمة ومصالحها وتحمل قضاياها، وفي المقابل كان يقول للإسرائيليين: لا وجود لشيء اسمه «تحالف أقليّات». وبالتالي، فإنّ النزاع مستمر و»محور المقاومة» هو الأُمّة وضميرها ووجدانها حتى لَو حاولَ البعض تشويهَه وتصويره مشروعاً مذهبياً.

وفي الملف السوري، الأبرز على لسان السيّد رَبطه بين النزاع في سوريا والنزاع في فلسطين. لا يبدو أنّ ثمّة أفقاً سياسياً جديداً حتى الآن. ولكن بحسب المصادر، فإنّ جوهر الخطاب قام على رفض التفتيت والتقسيم، واعتباره مشروعاً إسرائيلياً لضرب دول المنطقة وجيوشها ومقاوماتها.

وهذا يسري على سوريا مثلما يسري على العراق واليمن ولبنان. فالمقاومة التي ترفض التقسيم وتقاتله في سوريا، لا يمكن أن تقبل به في لبنان تحت أيّ ذريعة وشعار. وعلى عادته، تقول المصادر، فقد كان صريحاً في هذا الشأن حتى مع حليفه النائب ميشال عون، وذلك في معرض تناوله «الطرح الفدرالي» كخيار سياسي.

رفض الفيدرالية واعتبارها خطأ استراتيجياً لا يعني أنّ حزب الله لا يَتفهّم هواجس «التيار الوطني الحر». لقد طالبَ السيد نصرالله بوضوح، ومراراً، بأن يجري التعامل مع ما يطالب به عون بجدية وتوازن وفق مبدأ الشراكة.

وأعاد في خطابه الاخير تأكيد ضرورة أن تأخذ الحكومة الأمر بجدية ومسؤولية. وتلفت المصادر الى المواقف التي صدرت عقب الخطاب عن وزراء حزب الله ونوّابه، والتي ناشدت الرئيس تمام سلام عدم إقصاء أحد او إلغاء أحد.

ورأت المصادر أنّ موضوع التعيينات العسكرية سيكون مطروحاً بقوة في المرحلة المقبلة، وذلك نظراً الى صعوبة تجاوز إرادة المسيحيين، وما

يرفعه عون من مطالب يعتبرها حزب الله مُحقّة في ظل المخاطر الكبيرة التي تَتهَدد مسيحيي الشرق بغية إبعادهم وتهجيرهم.

أمّا عن وضع الحكومة، فتؤكد المصادر نفسها أنها ستظل قوية وصامدة طالما عرف رئيسها تمام سلام كيف يديرها ويوائِم بين تناقضاتها. ولكن لا شك في أنّ أمامها ألغاماً كبيرة، طالما ظلّت المراوحة السياسية وأخطأ البعض في حساباتهم، ولم يلحظوا التطورات المحيطة ويأخذوها بالجدية المطلوبة.