نصر الله يحاول تبديد قلق جمهوره من المتغيّرات الإقليمية والدولية غير المحسوبة
ضعضعة النظام الإيراني، إمساك روسيا بالقرار في سوريا وتأثير العقوبات الدولية على «حزب الله»
الأهم في كل ما يحصل هو مظاهر الوهن التي أصابت النظام الإيراني جرّاء الانتفاضة الشعبية غير المحسوبة
حاول الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في اطلالته الإعلامية الأخيرة التي تمّ توقيتها في حمأة التظاهرات التي تعم المناطق الإيرانية مطالبة بإسقاط النظام الإيراني، تبديد عوامل القلق التي تنتاب جمهور الحزب والتخفيف من مشاعر الاحباط التي تلف بيئته الحاضنة، جرّاء جملة متغيرات إقليمية ودولية متسارعة وغير محسوبة، والسعي بكل ما يملك من تعابير الاقناع، تصوير الواقع على غير حقيقته وإعطاء انطباعات مطمئنة بأن كل ما يحصل، لا يخرج عن السيطرة والتوقعات المسبقة، ولافتا الى ان تدخلات الحزب ومشاركته في الحروب المذهبية، إن كان بالقتال إلى جانب نظام الأسد ضد شعبه، أو بالعراق واليمن، كلها تسير وفق ما هو مخطط لها وتكريسا لسيطرة محور «المقاومة والممانعة» وكذلك بالنهاية لأجل محاربة العدو الإسرائيلي دون سواه من الأهداف الأخرى.
ولكن هذا السرد التطميني للأمين العام للحزب لم يكن كافيا لقلب الوقائع غير المطمئنة وكلها لا تصب في مصلحة الحزب وإن كان تجاهلها عن عمد أو غاص فيها عن غير قصد.
فبالنسبة للحرب الدائرة بسوريا وإن كانت كفتها رجحت بفعل التدخل الروسي السافر ضد الشعب السوري منذ أكثر من سنتين بكل القوة التدميرية المستعملة في ظل غياب شبه كامل لقوة موازية من قبل القوى الداعمة للثورة الورية، الا ان هذا التدخل الروسي بالتحالف مع إيران ونظام الأسد لم يستطع حتى اليوم تحقيق السلام بسوريا وما زالت الحرب مستعرة والدولة السورية مقسمة ورازحة تحت أكثر من احتلال ومناطق نفوذ وهو ما حمل نصر الله إلى القول ان إنهاء الحرب ربما يحتاج إلى سنة أو سنتين، في حين لم يتطرق، لا من قريب ولا من بعيد إلى ان مسألة تقرير مسار الحرب بسوريا أصبح كله بيد الدولة الروسية التي تمتلك زمام المبادرة في هذه المسألة بالرغم من الوجود الإيراني في هذا البلد ومشاركة الحزب بفاعلية بالقتال الدائر ضد أبناء الشعب السوري هناك والخسائر البشرية التي تكبدها هناك واقوى دليل على إمساك الروسي بزمام المبادرة ورفضهم أي مشاركة لأي طرف أو دولة كانت بالامساك بها، سلسلة التحركات الروسية التي حصلت مؤخرا وباتت مصدر قلق ضمني غير معلن لإيران وحزب الله وحتى النظام السوري، عندما تمّ استدعاء الرئيس السوري بشار الأسد منذ ما يقارب الثلاثة أشهر إلى موسكو ونقله إلى هناك بواسطة طائرة شحن عسكرية بمفرده وليس برفقته أي مسؤول كان والاعلان من هناك عن انتهاء الحرب ضد «داعش»، ثم تلاها بعد أسابيع قدوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا والنزول في القاعدة الروسية في «حميم» واستدعاء الأسد إلى هناك بمفرده، في حين كان مفترضاً أن يلتقي الأسد في قصر الرئاسة بدمشق كما يتم التعاطي بين الدول التي تحترم نفسها في مثل هذه الحالات، وزاد بالطين بلة الإجراءات البروتوكولية المذلة التي رافقتها بحق الأسد، وكل ذلك بغياب أي حضور إيراني مواز لهذه اوقائع. لم يقتصر الأمر عند حدود إمتلاك الروس لزمام المبادرة والتفرد بالقرار بسوريا، بل تعداه الأمر إلى تحول مجرى الحرب الدائرة باليمن لغير صالح الحوثيين المتحالفين مع إيران و«حزب الله»، لا سيما بعد تصدع جبهة الحوثيين بالداخل إثر اغتيالهم لحليفهم بالانقلاب ضد الشرعية اليمنية الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبدت مظاهر التآكل في مناطق انتشارهم ظاهرة للعيان بفعل هذه التطورات، بالرغم من كل عوامل الدعم الإيراني بالمال والسلاح وغيرها، في حين ان مظاهر التململ بدت باكراً في الساحة العراقية وظهور أصوات كثيرة تنادي بمنع التدخل الإيراني بالشؤون الداخلية العراقية ومنع استغلال الموارد الداخلية العراقية لصالح إيران وادواتها كما حصل أبان رئاسة نور المالكي لرئاسة الوزراء قبل سنوات.
يضاف إلى ذلك سلسلة العقوبات المشددة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية متحالفة ضد تمويل الحزب، إن كان عبر سنّ تشريعات وقوانين جديدة أو اتخاذ إجراءات مشددة وهو ما يزيد في تقليص موارد تمويل الحزب من الخارج وسد العديد من المنافذ التي كان يحصل من خلالها على الأموال من مصادر أخرى غير التي يحصل عليها من النظام الإيراني.
الأهم في كل ما يحصل هو مظاهر الوهن التي أصابت النظام الإيراني جرّاء الانتفاضة الشعبية غير المحسوبة بالرغم من القبضة الحديدية التي يفرضها الحرس الثوري على البلاد ويضغط من خلالها على كل من يعارض النظام ويسعى للقضاء عليه، بينما يلاحظ هذه المرة ان اعتماد الاسلوب السابق بالقمع لن يؤدي إلى إخماد ما يحصل حالياً لاختلاف ظروف وتركيبة المتظاهرين من جهة ولعجز النظام عن معالجة أسباب هذه الانتفاضة، الأمر الذي يعني دخول إيران في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، وهذا بالطبع سيؤثر ولو جزئياً على فاعلية النظام وسياساته في الخرج، بالرغم من كل ادعاءات المسؤولين الإيرانيين وقادة الحرس الثوري بأنهم استطاعوا القضاء على هذه الانتفاضة الشعبية خلافاً للوقائع التي تؤكد استمرار التظاهرات الشعبية في مناطق متفرقة من إيران وهي التي تطالب علناً هذه المرة بإسقاط النظام ورحيل المرشد.
فهذه الوقائع المتصلة بعضها ببعض لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها لأنها اقوى وافعل من المتغيّرات السابقة وتضغط بقوة هذه المرة، ومهما حاول الأمين العام للحزب اظهاره من تماسك والظهور بمظهر المبادر والقادر على تغيير موازين القوى ومجرى الأحداث من خلال سعيه لتوجيه الأنظار وإعادة حرف ما يجري باتجاه القضية الفلسطينية استناداً للقرار الأميركي الأخير بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، يبقى تأثيره محدوداً وقد يكون معدوماً هذه المرة جرّاء توجيه بندقية المقاومة ضد إسرائيل سابقاً نحو المشاركة في قتل وتدمير الشعوب بالعراق وسوريا واليمن واستهداف أمن دول عربية أخرى خدمة لمشروع النظام الإيراني بتفتيت وتدمير كيانات الدول العربية والإسلامية.
فالشعارات المستحدثة لمقاومة دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تعد تفعل تأثيرها السابق بفعل ما راكمه «حزب الله» من مشاركة هدامة في الحروب الأهلية والمذهبية، والكل يذكر شعار الحزب المشهور منذ ثلاثة عقود «يا قدس قادمون» والذي أصبح حالياً بتوجيه السلاح والصواريخ الإيرانية باتجاه مكة المكرمة والرياض، فأين مصداقية ما يطرح من شعارات جديدة تجاه فلسطين أو غيرها؟