هل يمكن القول إن إيران لم تقل كلمتها بعد في الانتخابات الرئاسية، وإلا لما كانت تحيل كل من يسألها عن ذلك الى السيد حسن نصرالله، وهذا يحيله الى العماد ميشال عون الذي يصر على الاستمرار في الترشّح للرئاسة ويرفض الانسحاب حتى لحليفه النائب سليمان فرنجيه ظناً منه أن التطورات في سوريا قد تكون لمصلحته، وما عليه سوى الصبر والتريث كما نصحه الرئيس بشار الأسد، وكأن انتظار 19 شهراً لا يكفي ليتأكد من أن لا حظوظ له بالرئاسة. ولو أن إيران قررت اتخاذ موقف من الانتخابات الرئاسية لكانت أبلغته الى السيد نصرالله وعمل به كما فعلت عند تأليف حكومة الرئيس تمام سلام فتألفت بسحر ساحر بعد أزمة دامت ما يقارب الـ11 شهراً.
والسؤال المطروح هو: لماذا لم تقل إيران كلمتها حتى الآن في الانتخابات الرئاسية واكتفت بتكرار القول إن هذه الانتخابات هي شأن لبناني… ولا نتدخل فيه؟ وكأن اللبنانيين أغبياء الى درجة أنهم يصدقون مثل هذا الكلام وهم يعلمون أنها هي التي أعطت إشارة لـ”حزب الله” كي يشعل حرب تموز مع إسرائيل عام 2006 بعدما كان الأمين العام للحزب السيد نصرالله يبشّر اللبنانيين عند انتهاء جلسة الحوار بصيف واعد وموسم اصطياف ناجح. وهي التي طلبت من الحزب التدخل في الحرب السورية عندما أوشك نظام الأسد على السقوط، وقد اعترف مسؤولون ايرانيون بذلك وهم لا يزالون يعتبرون الأسد خطاً أحمر رداً على من يحاولون تنحيته عن السلطة ليظل هذا الموضوع سبب خلاف يحول دون التوصل الى أي حل سياسي للأزمة السورية، ولكي تحقق إيران ما تريد فإنها قد تظل مصرّة على ربط الانتخابات الرئاسية في لبنان بمصير أي حلّ في سوريا يبقي الرئيس الأسد في السلطة، حتى إذا نجحت في ذلك ولو لفترة قصيرة فإنها تسهّل عندئذ إجراء انتخابات رئاسية في لبنان لأن سوريا هي الباب الذي أدخلها الى المنطقة وجعلها تتمدد فيها، أما لبنان فقد يكون باب خروجها منه كما خرجت سوريا منه.
لذلك فإنها ترى في وصول العماد عون الى سدة الرئاسة حتى بعد رحيل الأسد عن السلطة انتصاراً لخطّها السياسي بحيث يصبح لبنان هو المؤثر في سوريا وليس العكس. أما إذا صار اتفاق على انتخاب النائب فرنجيه رئيساً للجمهورية أو سواه بالإفادة من التغيير المرتقب في سوريا فلا يظل لبنان بعد هذا التغيير محكوماً من سوريا، فإن إيران تظل قادرة من خلال بقاء السلاح في يد “حزب الله” على أن تكون البديل من سوريا الأسد في فرض ما تريد من قرارات على أي رئيس للجمهورية أو حكومة في لبنان. لذلك فإن إيران تكون هي الرابحة في الحد الأقصى على مستوى المنطقة إذا نجحت في إيصال العماد عون الى سدة الرئاسة وإبقاء الرئيس الأسد في السلطة كجزء من أي حل، والرابحة في الحد الأدنى في لبنان فقط إذا خسرت معركة إبقاء الأسد في سوريا، أياً يكن رئيس الجمهورية فيه… فالقرارات المهمة لن تصدر عن أي حكومة من دون موافقة سلاح “حزب الله”، وهو ما يحصل منذ عام 2005 الى اليوم، ولا خروج من سيطرة إيران من خلال الحزب على هذه القرارات إلا بموقف وطني وتاريخ يتخذه العماد عون بمعزل عن موقف “حزب الله” وذلك بأن يقرر سحب ترشيحه لمن يريد ليعود له الفضل وحده في التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية وليس لسواه ولأي خارج، وإلا تحمّل مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي الى أجل غير معروف وتداعيات هذا الشغور على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في البلاد، لأن من يعطّل جلسات الانتخابات الرئاسية هو تغيّب نواب “حزب الله” ونواب “التيار الوطني الحر” عن الجلسات لتعطيل نصابها. فإذا كان “حزب الله” ينتظر كلمة إيران ليتخذ قراره، فماذا ينتظر العماد عون الذي يقول إنه حر في اتخاذ قراره ولا ينتظر كلمة أي خارج سوى كلمة لبنان، بعد مرور 19 شهراً على الشغور الرئاسي، ليتخذه ويكون قراراً لبنانياً صافياً يسجله له التاريخ.