توقعت صحيفة «نيويورك تايمز« الأميركية في تقرير لها في السادس من نيسان عام 2012، أن يتسبب ولاء «حزب الله« الشديد لبشار الأسد في «عزلة« هذا الحزب. واشارت الى أن قرار الأمين العام لـ»حزب الله« السيد حسن نصرالله بالابقاء على ولائه للأسد، يعرّض الحزب ومحاولاته بناء روابط في لبنان والعالم العربي للخطر.
يبدو أن توقعات الصحيفة الاميركية قد تحققت. فإذا كان ولاء الحزب للأسد ساهم في هذه العزلة، الا أن موقف السيد نصرالله، المتشدّد أكثر بأشواط من موقف «السيد الايراني« من الاحداث اليمنية، كان له التأثير المباشر في هذه العزلة.
بدا حزب الله وحيدا في وقوفه الى جانب «الحوثيين« وتوعّده السعودية بـ«هزيمة ساحقة« على عكس مواقف حلفائه في 8 آذار. كان لا بد لنصرالله من موقف يحفظ ماء وجهه ووجه حلفائه، وليظهر بمظهر «روبن هود العرب« الذي يسعى الى تحرير الشعوب من جلاديها.. ولو منفرداً.
في خطاب «التضامن مع اليمن المظلوم«، توجّه نصرالله الى حلفائه بالقول:» نحن في حزب الله لا نلوم احدا ولم نطلب من احد تبني موقفنا، ونتفهّم اي موقف. وما توصلنا اليه، نحن كجزء من هذه الامة، هو ان مصلحة لبنان الكبرى تكمن في رفع صوتنا بوجه السعودية«.
عانى «حزب الله« في الايام والاسابيع الماضية من عُزلَتَين: الأولى داخلية، تمثّلت في تغريد أمينه العام خارج السرب اللبناني منفرداً. والثانية عربية، ظهرت بوضوح من خلال حجم العداء الذي كرّسه نصرالله للسعودية ولدول الخليج العربي ولمعظم دول المنطقة، حتى وإن لعب مع بعضها على وتر: «يا حماة الكعبة وقبر الرسول!».
خارجياً، يبدو أن نصرالله ذهب في خياراته وخطاباته العدائية للسعودية والعرب حتى النهاية. فبينما كان «سيّد المقاومة اللبنانية« يجزم بأن عبد ربه منصور هادي لن يعود رئيساً لليمن، واعداً جماهيره بـ«سحق السعودية« ومتحدّثا بلسان عبد الملك الحوثي عن «الصبر الاستراتيجي«، خرج نائب وزير الخارجية الايراني أمير عبد اللهيان صباح امس الاول ليؤكّد أن الساعات المقبلة ستشهد وقفاً لاطلاق النار في اليمن. فهل كان نصرالله بعيدا عن اجواء المبادرة العمانية حتى اطلق خطابات «اللا عودة«؟ ام أن ايران تفاوضت مع العرب دون الاكتراث الى أمر أذرعها في المنطقة؟ وكيف وصل «حزب الله« الى عزلته العربية؟
عضو كتلة «المستقبل« النائب عمار حوري، يوضح لـ«المستقبل« أن «صورة حزب الله، الذي رُفعت اعلامه وصور امينه العام في العالم العربي عقب تحرير الجنوب عام 2000 واثناء عدوان تموز عام 2006، بدأت بالتغيّر داخلياً وعربياً في 7 أيار 2008 (غزوة بيروت)، وسرعان ما ضُرِبَت بشكل كبير عندما دخل بجيشه الى سوريا والعراق لمشاركة ايران في قتل الشعوب. وجاءت احداث اليمن، التي كرّست عداء نصرالله للسعودية وللعرب، لتؤكّد نزعة ايران التوسعية، ومهمة نصرالله الذي ظهر بمظهر الشرطي الايراني المُنفّذ لاجندة طهران «.
ويضيف ان « كل ذلك شكّل صورة لدى العرب، شعوبا وحكومات، عن حزب الله الذي يخدم مصالح ايران على حسابهم، الامر الذي ساهم في عزلته «. وأكد أن «حزب الله لا يملك الخيارات، فهو ينفّذ ما تتطلبه الاهداف الايرانية، واكبر دليل على ذلك ان المسؤولين الايرانيين كانوا في سلطنة عمان يفاوضون حول اليمن ولم يكن حزب الله على علم بذلك«.
وعن العزلة الداخلية، تفاجأ نصرالله بموقف حلفائه في 8 آذار من «عاصفة الحزم«، بدءاً من موقف القيادات السُنّية لهذا الفريق، الذين أيّد بعضهم «العاصفة« فيما التزم البعض الآخر الصمت، مروراً باللاموقف الرسمي للعونيين، وصولاً الى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي استقبل السفير السعودي علي عواض عسيري في أوج معركة حزب الله مع السعودية، ودعا في مناسبات عدة الاطراف اليمنية الى الحوار.
وفي هذا السياق يقول حوري ان «الصورة التي تشكّلت عربياً عن حزب الله، وصلت مع احداث اليمن الى وضع لم يعد فيه بامكان اي حليف لحزب الله ان يتحمله، لا الحلفاء المباشرين ولا الذين تتقاطع مصالحهم معه. فحركة امل والتيار الوطني الحر وشخصيات مستقلة كان يراهن عليها حزب الله، لم تتحمل تبعات خطابات نصرالله المعادية للسعودية والعرب«.
في نهاية المطاف، سيخرج من «حزب الله« مَن يبرّر «العزلة« ويحوّلها الى «نصر استراتيجي« على اعتبار ان العالم عاد وفاوض طهران بعد عقود من القطيعة. وربما سنسمع منهم من يؤيّد نظرية الفيلسوف الدانماركي سورين كيركجارد في تبريره للعزلة:» العزلة بكارة الحياة لما تؤدي اليه من اتصال دائم بالذات الالهية وشحن مستمر لطاقة الايمان«.