تفسيرات كثيرة أعطيَت للمواقف «الرئاسية» التي أطلقَها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، لكن كلّ هذه التفسيرات على تقارُبها هنا، وتباعُدها هناك، تقاطعَت عند معطى مفادُه أنّ انتخابَ رئيس الجمهورية العتيد ما زال متأخّراً لبضعة أشهر على الأقلّ.
تشير المواقف والمعطيات الماثلة داخلياً إلى أنّ البلاد دخلت في مراوحة لفترة طويلة، لكنّ هذه المراوحة لن توقفَ استمرار لعبة تعبئة الفراغ على المستوى الداخلي، بحيث سيبقى ترشيحا رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية في قلب المشهد الرئاسي، في انتظار نضوج معطى خارجي، قبل المعطى الداخلي، حتى يتحرّك الاستحقاق لمصلحة أحدهما، أو ربّما لمصلحة مرشّح ثالث تفرضه اللحظة السياسية الداخلية والإقليمية والدولية.
بعضُ السياسيين يتوقّعون أن تتحرك الأمور لمصلحة عون في ضوء المواقف الأخيرة للسيّد نصرالله، لأنّهم يعتبرون أنّ فرصة فرنجية باتت أصعب في ضوء تلك المواقف، ويَرون أنّ الرئيس سعد الحريري قد يَنبري في فترة «الوقت الضائع» السائدة إلى تغيير موقفه لمصلحة عون.
ويقول هؤلاء السياسيون إنّ السيّد نصرالله أعاد في مواقفه الأخيرة رسمَ توازنات معركة انتخابات رئاسة الجمهورية وخطوطها الحمر، وكذلك رسَم خريطة الطريق الداخلية لإمكانية النفاذ بها، ووجّه الى الحريري رسالة «قابلة للدرس» مفادُها أنّه ليس في وارد المساس بـ«اتفاق الطائف» ولا بصلاحيات رئيس الحكومة، ولا يريد «مؤتمراً تأسيسياً» لإقامة نظام جديد ينسف «الطائف»، وكذلك لا يريد «سلّة الحلّ الشامل» التي كانت اقترحَها خلال الشهرين الماضيين، ومِن ضِمنها الاتفاق على انتخاب رئيس جديد».
وفي رأي السياسيين أنفسِهم أنّ الحريري لا يمكن ان يتلقّف هذا العرض الموجّه من خلاله بطريقة غير مباشرة الى القيادة السعودية قبل معرفة ما إذا كان «الفيتو» السعودي على عون ما زال قائماً أم لا. علماً أنّ الحريري الذي يرغب بأخذ فرصتِه للعودة الى رئاسة الحكومة، يرى أنّ هذه الفرصة تبتعد عنه كلّما تأخّر إنجاز الاستحقاق.
على أنّ فريقاً آخر من السياسيين يرى أنّ ثنائية ترشيح عون – فرنجية التي حاولَ السيّد نصرالله أن يثبتها بطريقة غير مباشرة بحديثه عن «المكسب السياسي» لفريق 8 آذار بوجود مرشّحين رئاسيَين منه، هي التي ستَحكم المشهد الرئاسي حتى مطلع الصيف المقبل على الأقل، على أمل أن تَملأ الانتخابات البلدية المقرّرة في أيار المقبل الفترةَ الفاصلة عن ذلك الموعد، وقد بدأ النقاش في مصير هذه الانتخابات يدور على كلّ المستويات، وعلى وقعِ الاستعدادات الإدارية واللوجستية لها والتي يفترض ان ترتفع وتيرتها في حال أقرّ مجلس الوزراء اليوم الموازنة المالية اللازمة لها.
والواقع أنّه بمقدار ما يستمرّ القلق على مصير الاستحقاق الرئاسي بدأ البعض يهتمّ بالانتخابات البلدية، متوقّعاً أن يكون إجراؤها «بروفة» للانتخابات النيابية عام 2017، في حال لم تقصر ولاية المجلس الحالي الممدّدة بعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد. لكن بين القوى السياسية مَن يحاذِر خوضَ أيّ «إمتحان انتخابي» في الظروف الراهنة، وهذا ما يَدفع ببعض الأوساط السياسية الى توقّع التمديد للمجالس البلدية.
ولكنْ حتى الآن ليس هناك من مؤشّرات جدّية الى هذا التمديد البلدي، فحركة «أمل» و»حزب الله» كانا أوّل البادئين بالاستعداد لهذه الانتخابات، إذ باشرا اجتماعات التنسيق في ما بينهما في شأنها منذ ثلاثة أسابيع على حدّ ما يقول رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره.
وطبيعي أنّ قوى سياسية أخرى ستحذو حذوَهما في قابل الأيام، خصوصاً بعد ان يقرّ مجلس الوزراء الاعتمادات المالية للعملية الانتخابية لأنّها ستكون مؤشراً على جدية التوجّه لإجراء الانتخابات.
وفي أيّ حال فإنّ قابل الأيام والأسابيع سيحفل بكثير من المواقف السياسية على وقع التطوّرات الإقليمية المتلاحقة، في ظلّ همسٍ يَسود بعض الأوساط عن أنّ «تحرّكاً ما» بدأ في «مكان ما» خارجياً يمكن أن يمهّد إلى تعامل هادئ مع الاستحقاق الرئاسي من دون ان يعني ذلك أنّه سيحرق المراحل ويَستعجل إنجاز هذا الاستحقاق، لأن ليس في أفق الإقليم ما يشير الى أنّ التلاقي السعودي ـ الإيراني المأمول ليس قريباً، بدليل أنّ حدّة السجال السياسي بين الرياض وطهران ما تزال مرتفعة، وأنّ أوانَ الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض لم يحِن بعد.