ترك الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله باب الاحتمالات مشرعاً على مصراعيه، في معرض تثبيته حق الرد على اغتيال القيادي في حركة حماس الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت. فماذا عن معالم المرحلة المقبلة ربطاً بالرسائل التي أطلقها وما حَوته بين سطورها؟
حسم السيد نصرالله مبدأ الرد على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» الشيخ العاروري، انطلاقاً من انّ اغتياله في الضاحية يشكل «جريمة خطرة لا يمكن أن تمر من دون رد وعقاب».
لكن «السيد» تفادى إعطاء اي أجوبة او ايضاحات في شأن شكل الرد وطبيعته ومكانه وتوقيته، مفضّلاً إحاطة هذه التفاصيل بستار من الغموض المدروس والمقصود الذي من شأنه ان يزيد منسوب القلق والترقب لدى الاسرائيليين.
وهكذا، بَدا الامين العام لـ«حزب الله» وكأنه يمهّد للرد الحتمي او يستبقه بـ»حرب أعصاب» ستُبقي أنفاس قادة الكيان ومستوطنيه محبوسة الى حين ان يوجّه الحزب ضربته المنتظرة التي لها أسبابها الموجبة والالزامية.
لم يكن أمام الحزب من خيار سوى أن يقرر الرد على اغتيال العاروري للدوافع الآتية:
– القيمة الاعتبارية للشيخ صالح العاروري الذي يمثّل شخصية اساسية في حركة حماس ومحور المقاومة وكان يتولّى التنسيق والتواصل مع السيد نصرالله. وبالتالي، فإنّ وزنه المعنوي والعملاني في حد ذاته يُحتّم الرد سواء من الحزب او من قوى أخرى في «المحور».
– منع تكرار او استسهال استهداف قيادات إضافية من المقاومة، سواء كانت فلسطينية او لبنانية، في الداخل اللبناني، خصوصاً انّ مسؤولي الكيان الاسرائيلي يجاهرون ويتباهون بأنهم يخططون لتصفية قادة «حماس» في الخارج.
– انّ اغتيال العاروري تمّ في الضاحية حيث كان متواجداً، بشكل او بآخر، تحت المظلة الأمنية لـ»حزب الله». لذا، فهو معني مباشرة بالرد.
– معاقبة تل أبيب على استهداف الضاحية التي هي «عاصمة» الحزب، وتشملها مفاعيل معادلة توازن الردع التي أرساها الحزب بقوة منذ سنة 2006، ذلك أن أي تساهل حيال استهداف معقله الحيوي سيعني العودة إلى ما قبل هذا التاريخ بل حتى الى ما قبل عام 2000 وسيضع المكاسب الاستراتيجية التي حققتها المقاومة عبر تراكم الجولات والمبارزات مع الاحتلال في مهب الريح.
والأهم في هذا السياق انّ الحزب لا يريد أن يعطي اي إشارة إلى إمكان قبوله بالرضوخ لأمر واقع جديد يحاول الطرف الاسرائيلي فَرضه شيئاً فشيئاً، بحجّة انّ ما بعد 7 تشرين الأول ليس كما قبله، وانّ قواعد الاشتباك التي كان مُتعارفاً عليها قد جرفها طوفان الأقصى وما تلاه من رد فعل.
صحيح انّ القيادة الإسرائيلية تمر منذ عملية طوفان الأقصى في ما يشبه «نوبة عصبية» سياسياً وعسكرياً، وانّ التهور والانفعال يغلبان على سلوكها الإجمالي الى حد انّ بعض الموفدين الدوليين كانوا يحذّرون خلال زياراتهم الاخيرة للبنان من الغضب السائد في «اسرائيل»، الّا ان الحزب ليس في وارد ان يتفهّم «الاضطرابات النفسية» التي يعانيها صانعو القرار في تل أبيب وما يواكبها من «عوارض ميدانية»، وهو لن يسمح تحت أي ظرف للكيان العاجز عن الانتصار في غزة بانتزاع إنجازات جانبية او جوائز ترضية على جبهة لبنان.
غير انّ الحزب المصمّم على تدفيع الاسرائيلي ثمن اغتيال العاروري في قلب معقله، يبدو وكأنه يميّز بين الفاتورة التي يَتوجّب على الاحتلال تسديدها في مقابل جريمته، وبين حسابات الحرب الشاملة.
وكان لافتاً في هذا السياق إعلان «السيد» الصريح عن مراعاة المصالح الوطنية اللبنانية في نمط المواجهة الذي تعتمده المقاومة على الحدود الجنوبية، خلافاً للإتهامات التي يوجّهها إليها خصومها بالانسياق الى أجندات اقليمية، إنما من دون أن يمنعه ذلك في الوقت نفسه، وبحُكم مقتضيات المصالح الوطنية ذاتها، من تأكيد الجهوزية الكاملة لخوض مواجهة بلا ضوابط وبلا حدود اذا شَنّ العدو الاسرائيلي حرباً على لبنان، مُهدداً بأنها ستكون مكلفة جداً له.
هذا التحذير الشديد اللهجة، يأتي على الأرجح في سياق تحضير بيئة الرد على اغتيال العاروري، اي انّ «السيّد» يحاول مُسبقاً لجم بنيامين نتنياهو وإفهامه انّ عليه ان يحسبها جيداً عندما يتلقّى الضربة المضادة، وان يعرف انّ المقاومة مستعدة للذهاب أبعد ممّا يظن اذا قرر الاندفاع نحو حرب واسعة.
كذلك، تقصّد «السيّد» التلميح ضمناً الى انّ حرصه على مراعاة الظرف اللبناني الدقيق لا يجب تفسيره او استخدامه نقطة ضعف يمكن استثمارها لـ لَي ذراع الحزب الذي لن يخشى الذهاب إلى مواجهة كبرى متى تَطلّب الأمر منه ذلك.
وبناء عليه، فإنّ الحزب الذي يفصل بين الرد الآتي لصيانة معادلة الردع وبين سياقات الحرب الشاملة، هو في الوقت نفسه مستعد لخوضها بل متشوّق لها إذا ارادها الاحتلال الاسرائيلي.
وهكذا، ستكون الكرة في ملعب العدو الاسرائيلي بعد الرد الذي لا مفر منه، وسيتوجّب على نتنياهو عندها ان يتقبّله ويتحمّله والّا فإن الخيارات الأخرى ستصبح أشد وطأة عليه.