IMLebanon

نصرالله يحيّد لبنان.. وينفتح على الأخصام

كان خطابا محليا بامتياز ذلك الذي ألقاه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله مساء يوم الجمعة الماضي عبر شاشة «المنار».

وبينما توشك معركة شرق حلب على بلوغ خواتيمها النهائية، ليست المرة الأولى التي يزهد فيها «حزب الله» في صرف انتصاراته. وقد بدا هذا الامر جليا منذ استتباب السلم الأهلي في لبنان، وخصوصا بعد تحرير عام 2000، وبعد الانتصار بوجه عدوان تموز في عام 2006.

أراد نصرالله أن يخاطب اللبنانيين كافة «لأننا بلا شك، سواء كنا في لبنان أو في المنطقة، نحن الآن في مرحلة مصيرية ومهمة جداً».

هو أوصل تلك الرسالة بوضوح الى «الجميع»، من دون أن يقتصر على طرف واحد ولسان حاله «اننا متواضعون في الانتصار». وهو سعى الى التأكيد أن الوضع الداخلي اللبناني منفصل عما يجري في حلب، لذا «دعوا وضع المنطقة جانباً والوضع الإقليمي جانباً».

وبينما ينشغل لبنان بالحديث الحكومي والحصص التي يتناتشها الفرقاء، فإن الامر بالغ البساطة بالنسبة الى «السيد» ولسان حاله يقول «فليأخذوا ما يريدون، وبالعودة الى موقفنا، فإننا لا نريد حقائب دسمة، لا بل اننا نقبل باليسير كوزارة الشباب والرياضة أو وزارة الصناعة..».

في موازاة ذلك، وفي الموضوع الحكومي، خرج نصرالله ليواجه المواقف المتهمة للحزب بتعطيل تشكيل الحكومة التي وضعها في إطار «التوظيف السياسي». وهو دافع أيضا عن الرئيس نبيه بري والوزير سليمان فرنجية المتهمين أيضا بالتعطيل، لافتا النظر الى أن حالهما من حال القوى الأخرى التي تطالب بحقائب وازنة.

وقد انطلق نصرالله من ذلك للتأكيد للأخصام بعدم الضغط على الحزب كون ذلك لن ينفع ولا يستهدف إلا الكسب السياسي «الذي لا قيمة له والذي يضيع»، متوجهاً الى «جماعات الضغط» «اننا بالتهويل منتجوهر أكتر ومنتصلّب أكتر، احكوا معنا بالمنيح»، وذلك لمصلحة الجو السائد في البلاد، مذكرا إياهم بالمدة الطويلة التي التزم بها «حزب الله» بالوقوف وراء العماد ميشال عون حتى صار رئيسا، برغم كل ما واجهه من اتهامات.

وبذلك، يكون «السيد» قد أمسك العصا من المنتصف مع أخصامه، وفي ظل دعوته الى الإسراع في تشكيل الحكومة، توجه برسالة ذات مغزى الى «القوات اللبنانية» التي قال، من دون أن يسميها، إنه لا يتهمها في الرغبة في عدم تشكيل الحكومة «ولا أحد في الأصل يريد أن يعطل تشكيل الحكومة»، مقرا بحيثية تمثيلها.

وفي موازاة ذلك، أراد «السيد» التأكيد ان طابع الخلاف الحاصل «سياسي» و «غير طائفي»، نافيا أي ثنائيات «شيعية» كانت أم «مسيحية». وقد ذهب الى حد نعت تلك التوصيفات بـ«المعارك الوهمية» التي تم اختراعها، والتي تبدو البلاد في حاجة ماسة الى النأي عنها، وهي معارك ستؤدي بدورها الى «نتائج وهمية» ممن «يريد أن يوجد لنفسه حضوراً سياسياً، وأن يفرض لنفسه دوراً سياسياً، وأن يفرض احترامه على الساحة السياسية على قاعدة إحداث الفتن بين الآخرين، وهو سيضيع في الفتنة».

وفي هذا الموضوع، شدد الأمين العام لـ «حزب الله» ان «ليس لدينا أي تحسس من ثنائي مسيحي أو ثلاثي مسيحي». لا بل «اننا مع أي انفتاح بين قوى سياسية لبنانية بعضها على بعض، سواء في الساحة المسيحية أو في الساحة الإسلامية أو على المستوى الوطني»، وهو أمر قال نصرالله إنه يمكن ان يشكل فرصة حل للعقد في لبنان، أو معالجة قضايا عالقة منذ سنوات طويلة أو منذ عقود.

ولعل «السيد» قد أراد، في جزء هام من خطابه، تأكيد الحاجة الى الحوار في هذه الظروف، اذ ان «قدرنا وخيارنا الوحيد التلاقي والحوار وتقبل بعضنا للآخر، ويجب ألا تكون هناك خصومات أبدية». وهي فرصة متاحة، بالنسبة الى نصرالله، مع العهد الجديد كما مع رئيس حكومة جديد ومكلف «بمعزل عن تقييمنا وخلافنا حول هذه الشخصية أو تلك الشخصية».

ولذلك، فالحل هو في معالجة «العقد المتبقية في الحكومة ونعمل أجواء سياسية وإعلامية هادئة وناعمة في البلد ونذهب للتحضير للانتخابات النيابية، ونتعاون على بناء دولة».

هي رؤية متفائلة بالنسبة الى الأمين العام للحزب، خصوصا مع اشارته الى ان العقد أمام تأليف الحكومة ليست بالكثيرة ولا بالمستعصية. وهو دعا الى الفصل بين تأليف الحكومة وإقرار قانون جديد للانتخابات النيابية.

على صعيد هذا القانون، الذي من شأنه إجراء عملية تحول في العملية السياسية الداخلية، وضع نصرالله كل طرف أمام مسؤولياته ما دامت القوى السياسية تقول بانتهاء مفعول قانون «الستين».

لا بل ان «السيد» قد ذهب الى الربط بين التوصل الى هذا القانون وبناء الدولة القوية العادلة المتينة. على ان يتبع ذلك إجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة على أساس قانون نسبي كامل، لا المختلط، على لبنان دائرة واحدة أو دوائر موسعة. وهو ما من شأنه ان يعطي للقوى السياسية أحجامها الحقيقية «لا الأحجام المضخمة والوهمية».

إنه الامتحان الحقيقي أمام الجميع، وهو في الوقت نفسه لمصلحة الجميع، بالنسبة الى نصرالله. وبينما سيقلل هذا القانون من حجم «حزب الله» و «أمل»، على سبيل المثال، فإن من يعارضه كـ«تيار المستقبل»، سيستفيد منه، وهو التيار السني الأبرز، في بعض الأماكن ذات الوجود الطائفي المغاير، وسينال «المستقبل» تمثيلا في الأماكن الشيعية والمسيحية.