تتجاوز عجائب لبنان السياسية السبع، وحده بلد الأرز من بين بلدان العالم يشارك فيه وزيرٌ في الحكومة والشارع معاً، إعتراضاً على إجراءات ضريبية ساهم هو بنفسه في تشريعها، أو عبر الكتلة النيابية التي ينتمي الى فريقها السياسي.
وحده لبنان تستطيع فيه – وفق مزاعم اركان الحكم- كتلة كتائبية رباعية (في غياب النائب فادي الهبر بداعي السفر) أن تطيّر جلسة نصاب مجلس نيابي من 125 عضواً، إذا ما استثنينا رئيس البلاد الخارج للتو من نادي «ساحة النجمة» الى قصر بعبدا، والمقعدَين الشاغرَين باستقالة النائب روبير فاضل، وبوفاة النائب بدر ونوس. إنه بالفعل تبرير «سلطوي» يحاكي الكوميديا السوداء.
ومن سجلّات العجائب اللبنانية أيضاً عدم معرفة الناخب أين؟ وكيف؟ ومتى؟ ولمَن؟ يقترع على رغم تجاوز المهل القانونية، وقبيل شهرين نظرياً من موعد انتهاء ولاية المجلس الممدِّد لنفسه لولاية كاملة على مرحلتين.
وفيما يتسلّح وزير الداخلية نهاد المشنوق بالمهل الدستورية مع إحجام «كتلة المستقبل»، عن القيام بأيّ جهد جدّي بحثاً عن صيغة لقانون جديد – بعدما تمّ بسقوط مهل دعوة الهيئات الناخبة لرفض رئيس الجمهورية توقيعها، وتلكؤ مختلف الكتل السياسية عن التوصل الى قانون جديد- دفن قانون الستين، في مشهد لهذه القوى يحاكي الارتياح الى دفن القانون الراحل المغفور له، وإلّا بماذا يفسّر الصمت المطبق، أو قل عدم المبادرة، عند قوى سياسية أساسية في اتجاه اقتراح تصوّر يفتح الباب على نقاش قادر أن ينتج صيغة قابلة للحياة.
أما التذرّع باللجان وغرفها المغلقة واجتماعاتها الفارّة من عدسات الإعلام والهاربة من مكاشفة الرأي العام، فهو تذرّع ثبت عدم جديته بعدما تحولت النقاشات فيها أشبه بحلبة نقاش سفسطائي.
وحده الوزير جبران باسيل (سواء اتفقت او اعترضت على اقتراحات قوانين يقدمها الواحد تلو الآخر، وإن كانت في معظمها فصّلت على مقاس حساباته وحسابات تياره، وثم وبالتالي وفق حسابات الثنائي المسيحي وفق خصومه)، وحده يجتهد في التنقيب عن اقتراحات قوانين انتخابية بلا كلل، حتى يكاد يحق فيه الحديث الشريف: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر».
وفي ميزان الثنائي حركة «امل» و«حزب الله»، فلإجتهاد باسيل ما دون الأجرين، وإذا كان باب العدل الانتخابي يمر عند «حزب الله» من قانون انتخابي على أساس لبنان دائرة واحدة ووفق النظام النسبي في تطابق مع حركة «أمل» بقانون مؤسسها الامام المغيب السيد موسى الصدر.
وإن كان «حزب الله» لم يقفل باب التسوية سواء في الغرف المغلقة خلال اللجنة الرباعية، أو على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله الذي دعا كلّ القوى السياسية الى تقديم تنازلات، محذِّراً من الاستهانة بما يمكن أن يذهب اليه البلد في حال لم يتم الاتفاق على قانون الانتخابات».
وفي المعلومات أنّ الثنائي الشيعي لديه 4 ملاحظات اساسية على قانون باسيل الأخير أودعه إياها في الساعات الماضية:
1- في الشق الأكثري، لم يكن صعباً على الثنائي التقاط اشارات محاولة شطب حليفهما النائب سليمان فرنجية في دائرة الشمال المسيحية (البترون، الكورة، زغرتا، بشري) فالدائرة أشبه ببزّة على قياس الثنائي المسيحي، «القوات» و«التيار الوطني الحر» لا متّسع فيها لفرنجية، وهذا ما لا يقبل به ثنائي حركة «امل» – «حزب الله» الحريص على إبقاء حليفه الشمالي في نادي الكتل النيابية ولو المتوسطة الحجم.
2- وفي الشق الأكثري أيضاً يسجل «حزب الله» وحركة «امل» على باسيل اقتراحه التصويت الطائفي، وهذا ما يرى فيه الثنائي الممانع ضرباً للعيش المشترك والانصهار الوطني، فيما لا يغيّر التصويت المختلط طائفياً من نتائج الانتخابات جدياً.
3- أما في ما خص الشق النسبي من الاقتراح، فيفضل الثنائي الممانع لبنان دائرةً واحدة وليس الدوائر الخمس على اساس المحافظات التاريخية، وفق ما جاء في اقتراح باسيل.
4- ويختم الثنائي ملاحظاته الرباعية بالشق النسبي بأن يكون الصوت التفضيلي على اساس الدائرة وليس على اساس القضاء حصراً.
وعليه وضع ثنائي «امل» – «حزب الله»، «لا» مقنعة على مشروع باسيل بنسخته شبه المصادَق عليها حريرياً، فهل تشرّع تلك الملاحظات باب التسوية أم سيدخل لبنان في أزمة مفتوحة لا يُعرف الى أين ستأخذ البلاد وسط مخاوف جدّية من تمديدٍ لمجلس نواب على شفير سلسلة من الامتحانات الشعبية القاسية في الشارع؟
يجزم العارفون بأنّ الحريري جاهز للتسوية، لكنه يريد التمديد سنة لمجلس النواب ثمناً لها، وهو ما يصعب على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبوله. فهل يستمر الرقص على حافة هاوية المهل القاتلة من عمر مجلس النواب الشرعي؟ ومن سيجرؤ على القفز اولاً من على سلم القوانين المتقابلة؟