موقف نصر الله من الحكومة يُناقض بعضه البعض ويتعارض مع ممارسات وزيري الحزب بتعطيل الجلسات
التمسّك بالحكومة في وضعها الحالي متواصل بإنتظار مصير التسوية السورية المطروحة
أصبحت الحكومة رهينة مصالح حزب الله وحليفه «التيار العوني».. وكلام نصر الله عن دعمها واستمراريتها بالتزامن مع تعطيلها يناقض بعضه البعض!؟
الموقف الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله من الحكومة والذي يُبدي فيه تقديره لرئيسها تمام سلام ويؤكد على بقائها واستمراريتها في مهامها بحكم البلاد وإدارتها في هذه الظروف الصعبة والحسّاسة بالرغم من كل الاهتزازات التي تتعرّض إليها، يتعارض كلياً مع ممارسات وسياسة الحزب الفعلية في التعاطي مع الحكومة ككل والمرتكزة منذ مُـدّة على الإمعان بالتضامن مع «التيار العوني» في تعطيل جلسات مجلس الوزراء عمداً من خلال الدعم المتواصل لمطالب النائب ميشال عون العائلية والخاصة وفي مقدمتها مسألة ترقية صهره العميد المتقاعد في الجيش وغيرها وكلها مطالب لا تمتّ إلى المصلحة الوطنية بشيء وتتعارض مع الدستور وتتجاوز القوانين.
فدعم الحكومة والحرص على استمراريتها كما يدعو الأمين العام لحزب الله، يتطلب قبل كل شيء الاستمرار في حضور جلسات مجلس الوزراء وطرح المسائل والقضايا المختلف عليها على الطاولة ومناقشتها وبذل الجهود الممكنة لحلّها ومعالجتها تحت سقف القانون والدستور، وليس وضع العصي في مسيرة الحكومة وتعطيل جلساتها وعملها عمداً وتقديم طرح المطالب التعجيزية والعائلية الخاصة للنائب ميشال عون على مسيرة العمل الحكومي ككل وإهمال حل مشاكل المواطنين ومطالبهم الضرورية والحياتية كما هي الحال اليوم.
فمشكلة ترقية وإبقاء صهر النائب ميشال عون في قيادة الجيش ليست المشكلة الأولى التي تواجه الحكومة في لبنان من هذا النوع كي تتسبب بتعطيل وشلّ عمل الحكومة الحالية وتستمر الحكومة الدوران في حلقة مفرغة، بل حصلت مشكلة مشابهة عندما طرح موضوع التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي السابق اللواء أشرف ريفي أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة ووجه بالرفض من معظم الوزراء بإيعاز من «حزب الله» و«التيار العوني» اللذين كانا يسيطران على الحكومة ككل عملياً، واستمرت الحكومة بمهماتها ولم تتعطّل مصالح النّاس وقضاياهم. فلماذا لا يقيس «حزب الله» و«التيار العوني» ما حصل في الحكومة السابقة على ما يحصل في الحكومة الحالية، ويتجاوزاه باتجاه الكفّ عن تعطيل جلسات مجلس الوزراء والانطلاق قُدماً في مسيرة العمل الحكومي والبدء في حل المشاكل المتراكمة التي تهم المواطنين في كل لبنان؟ أم أن التذرّع بمسألة عدم مجاراة النائب ميشال عون في مطالبه العائلية يهدف الى التعطيل المتعمّد للحكومة لممارسة مزيد من الضغوط السياسية على الخصوم السياسيين للحزب و«التيار العوني» في الوقت الحاضر؟
لا يمكن تجاوز التعطيل الحكومي المتعمد أو اعتباره عارضاً ظرفياً تحت مطالب تعجيزية خاصة وعناوين زائفة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، لأنه يتزامن أيضاً مع انفلات أمني ملحوظ يطاول مناطق خاضعة لهيمنة وتسلط «حزب الله» وخصوصاً في مدينة بعلبك وغيرها من المناطق الأخرى لم تفلح كل مناشدات الأهالي في وضع حدّ له، بالرغم من قيام القوى الأمنية والجيش اللبناني في تنفيذ وتطبيق الخطط الأمنية الموضوعة لباقي المناطق وتثبيت الأمن والاستقرار فيها.
ولكن يبدو ان هذا الانفلات الأمني المدعوم والمخطط له لاعاقة عمل القوى الأمنية والعسكرية للقيام بالمهمات المنوطة بها، لا ينفصل عن ممارسات تعطيل عمل الحكومة ولا عن شل جلسات مجلس النواب ولا عن تعطيل نصاب انتخاب رئيس جديد للجمهورية من قبل تحالف «حزب الله» والتيار العوني» ومن يلوذ بهما من القوى الأخرى، وإنما هو متكامل مع كل ما يحصل لتوفير اقوى الضغوط الممكنة تجاه الخصوم السياسيين ومن أكثر من اتجاه، آملاً في اضعافهم قدر الإمكان للحصول منهم على تنازلات مطلوبة لإيصال مرشّح للرئاسة يدور في فلك التحالف المذكور ويحقق مصالحه وخططه بالاستمرار في تفلت سلاح «حزب الله» من أي ضوابط شرعية وبغض الطرف عن كل ارتكاباته وخرقه للدستور والقوانين والإمعان في عبور الحدود للمشاركة في الحروب الأهلية بالدول المجاورة بلا حسيب أو رقيب وإبقاء هيمنة السلاح على رقاب اللبنانيين قائمة بلا حدود أو محاسبة من أحد.
إنطلاقاً من هذا الواقع يمكن فهم استمرار إعلان نصر الله تمسك الحزب بالحكومة شكلياً في هذا الظرف والاستعانة بها وبغطائها وبخططها الأمنية حيث تدعو الحاجة لمواجهة خصوم الحزب أو حتى مكافحة كل محاولات التنظيمات المتشددة لتنفيذ تفجيرات إرهابية كما حصل مراراً في مناطق نفوذ الحزب وسيطرته بالرغم من كل إجراءات الحماية التي اتخذها وقد استطاعت الحكومة بفاعلية ملحوظة مكافحة مثل هذه التفجيرات وحتى وقفها نهائياً وتثبيت الأمن والاستقرار وملاحقة كل المتورطين فيها، وفي الوقت نفسه يمعن الحزب بمماشاة ودعم حليفه النائب ميشال عون بعرقلة عمل الحكومة وتعطيل جلساتها وصولاً إلى الشلل التام الذي بات يسيطر على كل مؤسسات الدولة ومرافقها واداراتها.
فالحكومة أصبحت رهينة مصالح الحزب وحليفه «التيار العوني» معاً في الوقت الحاضر وكلام نصر الله عن دعم الحكومة واستمراريتها بالتزامن مع تعطيلها يناقض بعضه البعض ولا يمكن ان يصرف على أرض الواقع، مهما أثنى على رئيسها وتمسك ببقائها بخطبه ومواقفه لأن النتيجة الملموسة على أرض الواقع هي استمرار تقطيع ما تبقى من الوقت في ظل الشلل السلطوي القائم في كل المؤسسات بلا استثناء حتى يتبيّن خيط التطورات السورية والتسويات المطروحة وموقع الحزب وحلفائه في دمشق وطهران منها، وقد يطول التعطيل والشلل والفراغ أكثر مما هو محسوب له حتى ذلك الحين