تجديد دعم نصر الله ترشيح عون للرئاسة ليس لتسريع الإنتخابات وإنما لإطالة أمد الفراغ الرئاسي فترة أخرى
إستمرار ربط حل الأزمة السياسية بمسار المقايضات المرتقبة للحرب في سوريا
لو كان الأمين العام لحزب الله جاداً في حل الأزمة السياسية وبتسريع عملية انتخاب رئيس للجمهورية لكان تبنى منهجاً مختلفاً وطرح مبادرة منفتحة تقاربية
لم يؤدِ موقف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الأخير بتجديد دعم الحزب لترشيح رئيس تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية إلى إعطاء دفع إضافي وقوي لهذا الانتخاب في وقت قريب كما كان يأمل «التيار العوني» ويروج لذلك، بل على عكس ذلك، أدى إلى تأجيج الاشتباك حول مسألة الانتخابات الرئاسية عموماً، وبتسليط الضوء من جديد على مسؤولية الحزب و«التيار» في التعطيل وإعادة احياء رفض انتخاب عون للرئاسة من قبل خصوم الطرفين وتحديداً من قبل «تيار المستقبل» الذي لا يزال ملتزماً بترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة.
وفي ضوء ذلك، لوحظ بوضوح تراجع واضح في مواقف وحملات «التيار العوني» التي روّجت بإمكانية حصول انتخاب عون للرئاسة بين ليلة وضحاها، وأوهمت المؤيدين بأن معظم الصعوبات والعقد التي كانت تعترض هذا الانتخاب قد ذللت، ولم يتبقّ منها سوى موقف كتلة «المستقبل النيابية» التي ستنضم عاجلاً أم آجلاً لتأييد ودعم عون في النهاية لا سيما وأن معظم أعضاء الكتلة وزعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري أصبحوا مقتنعين بهذا الطرح خلافاً للواقع والحقيقة.
ولا شك أن ما طرحه نصر الله من تجديد دعم الحزب لترشيح عون للرئاسة وإعلانه بالانفتاح للبحث في مسألة تشكيل الحكومة المقبلة، لم يكن باتجاه حلحلة الأزمة السياسية، بالرغم من كل صيغ التسوية والإنفتاح التي غلّف بها مواقفه وطروحاته وإنما لإطالة الأزمة القائمة واستمرار تعطيل الانتخابات الرئاسية لسببين رئيسيين، الأول، إمعانه في تجاوز الدستور والقوانين بالقوة وتصوير نفسه وصيّاً وحاكماً ومقرّراً عن سائر اللبنانيين وساعياً لفرض ترشيح النائب عون للرئاسة خلافاً لإرادة وتوجهات أكثرية القوى السياسية لهذا الطرح، وثانياً، عدم المبادرة لإزالة العراقيل والعُقد التي تحول دون انتخاب رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» للرئاسة لا سيما بذل الجهود الممكنة لسحب رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية من السباق الرئاسي وهو المرشح الذي يحوز حالياً على نسبة عالية من أصوات النواب تؤهّله للفوز في حال جرت الانتخابات الرئاسية من جهة وإقناع الرافضين والمعترضين لانتخاب عون للرئاسة وفي مقدمتهم رئيس المجلس النيابي نبيه برّي والعديد من حلفاء الحزب الحاليين من جهة ثانية.
فلو كان الأمين العام لحزب الله جادّاً في حل الأزمة السياسية وتسريع عملية انتخاب رئيس للجمهورية لكان تبنّى نهجاً مختلفاً وطرح مبادرة منفتحة تقاربية تتضمن الاستعداد للحوار والتشاور حول مسألة الرئاسة وإسم الشخصية المؤهّلة للتفاهم بشأنها من قِبَل أكثرية الأطراف والقوى السياسية من دون الدخول مسبقاً في محاولة فرض هذا الإسم أو ذاك، وعندها لقوبلت هذه المبادرة بردود فعل إيجابية من قِبَل خصومه وأحيت الأمل بإمكانية التفاهم حول مسألة الرئاسة الأولى أولاً، لأن أي طرح على هذا المستوى لا يمكن رفضه أو تجاهله، كون معظم القوى السياسية متعطّشة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي بأسرع ما يمكن لتفادي التداعيات السلبية الخطيرة لاستمرار أزمة الفراغ الرئاسي ومتفرعاتها من الأزمات العديدة.
ولذلك، فإن ادّعاءات «التيار العوني» ومن ورائه «حزب الله» بأن السبب الأساس في الأزمة الرئاسية هو موقف «تيار المستقبل» الرافض لانتخاب عون للرئاسة، قد أثبتت بطلانها وعدم صحتها بعد طرح نصر الله الاستقوائي لحل الأزمة السياسية على هذا الشكل لأنها تؤشّر بوضوح إلى أن أسباب تعطيل الانتخابات الرئاسية وإبقاء الأزمة السياسية التي تسبب بحدوثها «حزب الله» ما زالت مستمرة ولم تنضج بعد الظروف الإقليمية وتحديداً ما يجري في سوريا التي يُشارك الحزب بالحرب إلى جانب نظام الأسد ضد شعبه، وكل ما يجري حالياً في الداخل اللبناني من مناكفات وتأجيج للخلافات، لا يعدو كونه تقطيعاً لمزيد من الوقت في انتظار ما ستؤول إليه الأزمة السورية ومسارات التسوية.
ويبقى أن الرهانات العونية لانتخاب النائب عون للرئاسة والتي انتعشت في الأسابيع الماضية ما تزال قائمة وإن خفّت حدّتها في الأيام الأخيرة بعد الردود السلبية على مواقف نصر الله الأخيرة.