الوتيرة المتزايدة لإطلالات الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في الآونة الأخيرة هي بلا أدنى شك أحد المؤشرات إلى اتجاه الحزب لتزخيم التعبئة السياسية لقاعدته الأساسية وروافدها من الجهات السياسية والشعبية القريبة منه. فنصرالله أطلّ أربع مرّات خلال الشهر الجاري وسيطّل للمرة الخامسة غداً الخميس للاحتفال بـ «النصر» كما وعد في كلمته الأخيرة. وهذه وتيرة نادرة لإطلالات نصرالله تسمح، بحسب أوساط سياسية، بتلمّس، ولو من حيث الشكل، مقدار الأهمية التي يوليها «حزب الله» وحلفاؤه الإقليميون للّحظة السياسية الحالية.
هذا في الشكل، أمّا في المضمون فأبرز النقاط التي أثارها نصرالله في خطابه أمس الأول كانت إعلان انتصار «اللبنانيين والسوريين على إرهابيي تنظيم داعش ودحرهم عن آخر حبّة تراب على الحدود اللبنانية ــ السورية».
تتقاطع مصادر «القوات اللبنانية»، وتيار «المستقبل» على اعتبار هذا الإعلان بمثابة محاولة من جانب نصرالله لسرقة إنجازات الجيش في معركة «فجر الجرود»، واستثمارها لصالحه وصالح حلفائه الإقليميين.
وتشير مصادر «المستقبل» إلى أنّه «في وقت كانت الدولة اللبنانية تنتظر اللحظة المناسبة لإعلان الإنتصار، احتراماً لحزن أهالي العسكريين المفجوعين، وانتظاراً لنتائج فحوص الحمض النووي التي ستثبت أن الجثث التي عثر عليها في الجرود عائدة للعسكريين الذين كانوا مختطفين لدى داعش الإرهابي، ضرب نصرالله عرض الحائط بكل تلك الاعتبارات الإنسانية والوطنية، وأطلّ مدّعياً أن حزبه هو من حقّق الانتصار على الإرهاب في الجرود، وذلك لتجيير هذا الإعلان لمصلحة إيران ونظام بشار الأسد».
من جهتها ترى مصادر «القوات» أنّه «بمجرّد أن يعلن نصرالله الإنتصار فهو يحوّله إنتصاراً فئوياً. إذ أنّ معركة فجر الجرود كانت أبلغ دليل على حجم الإلتفاف اللبناني، دولةً وشعباً، حول الجيش، بينما كانت معركة حزب الله في جرود عرسال عنوان انقسام بين اللبنانيين.. وبالتالي ما دام حزب الله على سياسته الحالية ستبقى مواقفه عامل انقسام في لبنان، وهذا ينسحب على الإنتصار الذي أعلنه، لأنّ الغالبية العظمى من اللبنانيين ترفض أن تفرض عليها انتصارات فئوية».
هذا علماً بأنّ «سرقة انجازات الجيش» ليست الأمر الوحيد الذي تنطوي عليه الصيغة الكلامية التي استخدمها نصرالله لإعلان الإنتصار. فهو بإعلانه «انتصار اللبنانيين والسوريين على الإرهاب»، أراد الترويج مرة جديدة لوحدة الجبهتين اللبنانية والسورية. وذلك بعدما فشلت كل محاولات «حزب الله» وبعض حلفائه في لبنان لدفع الحكومة اللبنانية للتنسيق مع النظام السوري، بحسب مصادر «القوات اللبنانية»، التي تعيد التذكير بكل هذه المحاولات، بدءاً من إثارة الحاجة إلى مثل هذا التنسيق لحل قضية النازحين، مروراً بمحاولة إسباغ طابع رسمي لزيارة بعض الوزراء إلى دمشق، وصولاً إلى الضغط السياسي والإعلامي الهائل للقول إنّ الجيش اللبناني على تنسيق مع الجيش السوري و «حزب الله» في معركة جرود رأس بعلبك والقاع، علماً بأنّ الجيش أكدّ تكراراً عدم وجود مثل هذا التنسيق.
أمر آخر كان لافتاً في كلام نصرالله أمس الأول وهو عودته إلى لغة تقسيم اللبنانيين بين محاربين للإرهاب وداعمين له، وذلك بقوله إنّ «لبنان اليوم كله انتصر والأغلبية الساحقة سعيدة إلا من راهن على جبهة النصرة وداعش». وهو بذلك يحاول، بحسب أوساط سياسية، تحوير حقيقة الإنقسام السياسي والأهلي الراهن على خلفية معارك جرود البقاع الشمالي. إذ أنّ الإنقسام هو بين من يعتبر أنّ الجيش اللبناني هو من قام بتحرير هذه الجرود من ارهابيي «داعش»، كما قالت «كتلة المستقبل» أمس، وبين من يحاول تنصيب نفسه «الأب الشرعي» لهذا التحرير، كما فعل نصرالله أمس الأول.
وتعتبر هذه الأوساط أنّ نصرالله قام في خطابه الأخير بما يمكن اعتباره «هجوماً مضاداً» على المناخ السياسي والشعبي الذي رافق معركة الجيش في جرود رأس بعلبك والقاع، لجهة الالتفاف الشعبي الواسع حول الجيش الذي أثبت قدرته وجاهزيته لخوض المواجهة ضدّ الإرهاب من دون شراكة من أحد. وهذا ما أظهر هشاشة الدعاية الإعلامية والسياسية «الرنّانة» التي قام بها «حزب الله» في معركة جرود عرسال لإظهار «إجماع وطني» لا تشوبه شائبة حول ما قام به في هذه الجرود سواء لجهة حربه مع «جبهة النصرة» أو إبرامه صفقه معها.
إضافة إلى هذه النقاط في خطاب نصرالله، فقد أثار حديثه عن الصفقة التي أبرمها حزبه مع «داعش» بموافقة الجانب السوري، العديد من علامات الإستفهام في الأوساط السياسية والشعبية في لبنان، لا سيّما لجهة محاولة نصرالله «تعديل وجهة الانتقام من داعش إلى الداخل اللبناني، رداً على بعض المواقف التي احتجت على نتائج الصفقة معه»، كما رأى تيار «المستقبل» أمس الأول.. كذلك استندت كتلة «المستقبل»، على معطيات هذه الصفقة للحديث عن «تشارك حزب الله وداعش في الكثير من الأمور»، مذكرّة بـ «أنّ الحزب كان يعترض بشدة في السابق على أي نوع من أنواع التفاوض لإطلاق العسكريين اللبنانيين في العام 2014». علماً بأنّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع سأل، أمس، عن «سر الصفقة التي تمت بين حزب الله وداعش؟».
كلّ هذه النقاط الخلافية التي أثارها خطاب نصرالله أمس الأول والذي وصفته كتلة «المستقبل» بـ «المخادع»، تعيد مجدداً تظهير الانقسام اللبناني بين من يريد «التمسك بالشرعية الوطنية والعربية والدولية» على ما جاء في بيان الكتلة نفسها – مع ما يعنيه ذلك من تحييد لبنان عن صراعات المنطقة – وبين من يعتبر لبنان ساحة من ساحات المواجهة الإقليمية، وهو ما عبّر عنه نصرالله أمس، بربطه بين انتصار الجرود و «الانتصارات التي تحصل في المنطقة». وهذا الربط يفسّر، بحسب الأوساط السياسية، الاستنفار السياسي والإعلامي من جانب «حزب الله» لتجيير انجازات الجيش في معركة «فجر الجرود»، لمصلحة حلفائه الإقليميين، ولا سيما إيران. ذلك لأنّ كل الإنتصارت ضدّ «داعش» في المنطقة هي إمّا بغطاء أميركي أو روسي، وبالتالي «لا نصر» لإيران في كل تلك المعارك. وهذا ما يحاول نصرالله تعويضه في لبنان، ومن هنا محاولته حشد أنصاره بأكبر أعداد ممكنة لحضور مهرجان «الإنتصار الثاني» غداً الخميس!