IMLebanon

نصرالله والعلمانية، الشيوعية والتشيّع

يبثّ آل سعود، اليوم، على موجة جديدة. وسّع البترودولار، دائرة استقطابه، لتشمل «علمانيين» و»شيوعيين»، يدعمون الحرب على فقراء اليمن، لأن الحوثيين سينقلون إليها نظام الولي الفقيه! وكأن آل سعود هم ورثة جان جاك رسو وكارل ماركس، وليسوا ورثة ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب!

«مثقفون تقدميون» يأخذون النقاش، من ميدان الواقع، واقع العدوان السعودي ــــ الأميركي على الشعب اليمني، إلى ميدان العقائد والنظريات؛ هذا الالتفاف يقع في باب خدمة العدوان، والتغطية على مجازر المعتدين. إنها مخاتلة، بل إنها ضرب صفيق من النذالة أن نناقش ما إذا كان الأطفال والشيوخ، النساء والرجال، الذين تقصفهم طائرات العدوان، علمانيين أم لا؟

«مثقفون تقدميون»، أكثرهم «إنصافاً» أولئك الذين يعتبرون أن المعارك الحالية في آسيا العربية، هي بين معسكرين، كلاهما رجعي وديني؛ هذه المعارك لا تعنينا: لا معنى للوقوف، في سوريا، مع الاستبداد ضد السلفية الإرهابية، أو لدعم «الحشد الشعبي» التابع للمرجعية ضد «داعش»؛ فكلاهما سواء! أما حرب اليمن، فهي تحتدم بين السعودية وإيران، بين التحالف الإخواني ــــ الإرهابي وبين الحوثيين.وكلاهما سلفية ورجعية!

الجبهة المستجدة للهجوم على الأمين العام، حسن نصرالله، الآن، تتركّز على إعلانه أنه يؤمن بأن الإمام علي الخامنئي هو ولي المسلمين! ليس مهماً الإطار التحليلي العياني الذي قدمه في خطابه المهم حول العدوان السعودي ــــ الأميركي على اليمن، وليس مهما ما قدمه من معلومات ومعطيات ومواقف. كلا؛ فالمهم هو إيمانه واعتقاده! إنها المخاتلة نفسها، ذلك التكتيك الذي يقوم على نقل السجال من سياق العملية التاريخية الجارية فعلاً، أي من سياق الصراع الاجتماعي السياسي الاستراتيجي القائم، إلى سياق الاعتقادات.

نصر الله سيّد، وعمامته وعقيدته ظاهرتان للعيان. وهذا شأن خاصٌ به وبحزبه؛ فالمهم أنه لا يطالب مواطنيه وأبناء أمته باتباع دينه وإيمانه ومذهبه، لا بالدعوة ولا بالقوة. في خطابه السياسي، كما في ممارساته العملية، ينطلق نصرالله ــــ وحزبه ــــ من إقرار علماني صريح بالتعددية الدينية والمذهبية والفكرية. لا يريد إرغام المسيحيين على دفع الجزية، بل تسيل دماء أبنائه في الدفاع عنهم، وعن كنائسهم وحريتهم الدينية، ولا يريد أسلمة الدروز، أو تشييع السنّة الخ، يعترف بالمكونات، ويحترمها، أحياناً إلى الحد الذي يضرّ بالمقاومة وحضورها وهيبتها؛ لكن حساسية نصرالله وحزبه، العلمانية بالذات، تفرض عليه، هنا وهناك، مواقف غير منسجمة، منها مثلاً تمسكه بالتعاون مع حماس، رغم ما أظهرته من عداء مذهبي وسياسي لـ «حلفائها» السابقين في محور المقاومة.

العلمانية ليست الإلحاد، ولا تتطلب التخلي عن التديّن، ولا هي كأس فودكا، ولا ارتداء البيكيني. العلمانية هي فصل الدين عن السياسة والأهداف السياسية؛ ليس من زاوية الإيمان الذاتي على مستوى الفرد أو التنظيم، وإنما من زاوية الاعتراف بالتعددية الدينية والمذهبية والثقافية، في إطار البنية الاجتماعية العيانية الواقعية، وليس في إطار نقاش نظري مشتق من تاريخ المجتمعات الغربية.

النظام السوري استبدادي؟ نعم. ولكنه علماني بأقصى ما تسمح به البنية السورية الواقعية من ممارسة العلمانية. وبينما يقاتل حزب الله إلى جانب هذا النظام العلماني، رأينا، ونرى «علمانيين» كثراً يصطفّون إلى جانب التكفيريين الإرهابيين، ويزيّنون بشاعتهم الإجرامية، بالحديث السمج عنهم، كـ «ثوار» و»معارضين».

على الموجة نفسها، يعيب علينا رفاق شيوعيون بأننا تحولنا، أي قوى اليسار المشرقي، إلى شيوعيين ــــ شيعة! أحدهم كتب: لم يبق سوى أن تهتفوا: يا حسين! ولكن، ما هي الشيوعية، أيها الرفاق، سوى الانحياز غير المشروط للفقراء والمضطَهدين والمظلومين؟ ما الشيوعية سوى الانخراط، في كل مكان وفي كل متاح، لمحاربة الإمبريالية؟ هل الشيوعية هي المساواة بين طائرات آل سعود ودماء الأطفال اليمنيين؟ وهل الشيوعية هي الانكفاء عن الصراعات الواقعية، لأن الفريق المقاتل ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية النفطية، ليس على المقاس النظري؟ اقرأوا ماركس وانجلز ولينين، لكي تكتشفوا أن الشيوعي هو الذي ينخرط في الصراع الواقعي في ظروف واقعية ملموسة، وليس ذلك الذي يخرج من دائرة الصراع لأنه ملتبس عقائديا، أو حتى يصطف مع الإمبرياليين والإرهابيين، لأن القوى التي تواجههم ليست يسارية!

روسيا لم تعد شيوعية، ولكنها تقاتل من أجل عالم متعدد الأقطاب؛ ألا يتيح ذلك، للشعوب حرية اختيار طريقها للتقدم الاجتماعي والازدهار المادي والروحي؟ روسيا عند بعضكم «امبريالية» شرقية تصارع «شقيقتها» الغربية؛ فعلينا، إذاً، أن ننضم إلى «القاعدة» ومشتقاتها لمحاربة الامبرياليتين! وإيران، عند بعضكم، مشروع فارسي مجوسي معاد للعرب! والصراع كله، عند بعضكم، لا يعني الشيوعي العربي لأنه صراع مذهبي بين سلفيتين! أنتم، إذاً، تحكمون على أنفسكم بالتهميش، أو تأذنون لأنفسكم بالاصطفاف الفعلي في حلف آل سعود. فلتطاردكم دماء أطفال اليمن الفقراء، ضمائركم إذا بقي عندكم بقايا ضمير؛ أما نحن، فضميرنا الشيوعي الحيّ يحفزنا، في كل لحظة، لافتداء أطفال اليمن وسوريا والعراق، بالأرواح.

تزعجكم مناداة الحسين؟ حسنا، ها إننا نختم: يا حسين، أيها الجد الأول للشيوعية العربية؛ وهل الشيوعية شيء آخر سوى افتداء الكادحين والمجتمع والوطن؟