يستغل «حزب الله» «انتصاراته» التي يصفها عادة بـ»الإلهية»، مرة من خلال محاولته صرفها في الداخل، ومراراً عبر التهجم على دول جارة وصديقة. ومن نافذة هذا الإستغلال، أطل أمس الأول، الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله في مهرجان «ومن الإنتصارات»، ليُرسم للبنانيين سكّة خلاصهم، فلم يجد سوى الفراغ الرئاسي خشبة ليُعلّق عليها خيبات حزبه التي تُلاحقه من لبنان إلى سوريا، فبدى كمن يُمارس «قوّته» وعنفه وسطوته على الناس، إكراماً لمشروع جعل من عناصر حزبه وقوداً لحروب ارتدت عليهم بالموت والقهر.
من باب التعطيل الداخلي الذي يتسبب به حزبه، فتح نصرالله خلال مهرجان «زمن الإنتصارات»، باب البازار السياسي المعطوف على التهديد العلني، فراح يُفاوض على موقع رئاسة الجمهورية وكأنه الحاكم بأمره. تحدث عن «مِفتاح الحل» لهذه القضية العالقة منذ أكثر من سنتين، فبدا وكأنه يحمل بين يديه الأغلال التي تسمح بفتحه على مصراعيه تمهيداً لإنضاج العديد من الحلول. فعاود التأكيد أن حل هذا الملف، لا يكون إلا من خلال إنتخاب النائب ميشال عون، واكثر من ذلك، فقد دخل نصرالله بعملية إبتزاز واضحة عندما قال « إذا أرادت الجهات المعنية بهذا الاستحقاق أن ينجح ولديها اسئلة فنحن قلنا وسنقول إننا منفتحون وإيجابيون في ما يتعلق برئاسة الحكومة المقبلة بعد انتخاب الرئيس«. مع العلم أن الإستشارات النيابية الشرعية بعد التكليف، وحدها كفيلة بمجيء أي شخصية لرئاسة الحكومة، وأن الأمر ليس منّة لا من نصرالله ولا من أي طرف آخر.
غريب هو أمر «حزب الله» لجهة تعاطيه مع المُستجدات والأحداث التي تطرأ في الداخل والخارج. فبالنسبة اليه، «كل الدول تُريد رأسه وتعمل على تحجيمه وتسعى إلى إنهاء حالته«. هذا ما يُحاول على الدوام أن يزرعه داخل البيئة التي اوصلها إلى مرحلة، ظنّت فيها أن خلاصها في الدنيا لن يكون إلّا على يد «حزب الله». أبعدها عن دولتها بعدما زرع الشقاق بينهما. عمل على تبديل التعايش والإختلاط بين هذه البيئة والمكوّنات اللبنانية الاخرى، بمزيد من القوقعة و»شيطنة» الآخر. زاد بيئته فقراً وتشريداً وإهمالاً مقصوداً، ثم أوجد لها أعداء في كل مكان و»حُلفاء» في بعض الأمكنة، وبعدها أوهمها، بأن لا بديل عن السلاح لتحصيل حقوقها ولتحرير أرضها، كلّه في سبيل تحقيق المشروع الإيراني الذي لا يُوفر قادته فرصة، إلا ويُعبرون من خلالها عن نيّتهم بتحويل لبنان، إلى قاعدة متقدمة لهم في المنطقة.
أمس الأول استعاد نصرالله بعضاً من مفردات من خطاباته السابقة وتحديداً في زمن الصراع مع إسرائيل. للمرة الأولى منذ اعوام طويلة، يُفرد نصرالله في خطاباته هذه المساحة للتحدث عن الإسرائيلي ونيّاته المُبيّتة وخطره.. وهو الذي كان استبدل هذا الخطر منذ العام 2001، بالخطر «التكفيري» و»الإرهابي». جمهور «حزب الله»، ربما فوجئ بالأمس بعودة سماعه مُصطلح «أوهن من بيت العنكبوت»، وقد بنى عليها تحليلات ودراسة موسعة، علّه يستطيع أن يشحذ من خلالها، بعضا من همة جمهوره، فراح يوسّع «بيكار» أو دائرة المُصطلحات السابقة، حتى عاد إلى مرحلة «قادة العدو وجنرالاته وإعلامييه وسياسييه وكباره وصغاره«. ومن باب تحفيز الجمهور على التفاعل أكثر فأكثر، استعاد نصرالله ايضاً، عبارات من «عاشوراء»، لكنه أفلح في بعضها وأخفق في بعضها الآخر.
من باب المقارنة بين الوضع الأمني بالأمس واليوم وتحديداً في القرى الجنوبية الحدودية، توجه نصرالله إلى جمهوره بالقول «عشر سنوات من الأمن والأمان..أنتم الآن في بنت جبيل، «فشخة» عن الحدود، هذه الحدود، دائماً كان الإسرائيلي هو في موقع المبادرة والهجوم«. لكن بُعد نصرالله عن الإحتكاك المُباشر بجمهوره كون الشاشة تقف عائقا في كل مرّة أمام هذا الأمر، جعله بعيداً عن هموم هؤلاء الناس وخوفهم من الغد. ثمة من أراد أن يقول له: هم ينامون باكراً، لكن في المقابل، فإن عيوننا تظل ساهرة خوفاً من أي عملية تسلل أو اغتيال. نعم نحن نبني بيوتنا، لكن هناك خوف يسكُننا على الدوام، خشية أن نخسر كل شيء بمغامرة صغيرة يُمكن أن يقوم بها الحزب بأمر إيراني.
غابت «حلب» عن خطاب نصرالله، وغابت معها الوعود بـ»النصر». أمس الأول لم يأت نصرالله على سيرة حلب سوى في معرض قوله « ليس لدينا خيار إلا أن نبقى وأن نحضر في الساحات، في حلب وفي غير حلب، وفي كل مكان يقتضيه الواجب أن نكون سنكون، كنا وسنكون، مهما كان التهويل القائم حالياً«. لم يتحدث نصرالله هذه المرة عن المعركة «الكونيّة» في حلب ولا عن «الإنتصار المؤكد» فيها. لم يُبد استعداده أيضاً للذهاب والقتال في «حلب». هذا هو حال «حزب الله» الذي تتبدل أولوياته بحسب «الأجندة»، فأمس الأول غابت عن المهرجان «قصائد»: «خذوا العبرة من حلب والبوصلة بحلب والمزاج الدولي بحلب، وأهميّة معركة حلب وبما تعنيه استعادتها«، وذلك بعد أن حلّت مكانها بلدة «بنت جبيل» الجنوبية.