Site icon IMLebanon

«تسوية نصرالله» بين تجاوب الحريري.. و«الفيتو» السعودي

4 معابر إلزامية لإنضاج التوافق على السلة المتكاملة

«تسوية نصرالله» بين تجاوب الحريري.. و«الفيتو» السعودي

دعا الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الى تسوية داخلية شاملة. حلفاؤه اعتبروا مبادرته فرصة خلاص وقارب نجاة من بحر التوترات الهائج. الوسطيون قالوا انهم مع التسوية ايا كان شكلها، واما الخصوم الداخليون، وفي مقدمهم «تيار المستقبل»، فقاربوها بهدوء وايجابية. السؤال البديهي هنا: هل تنتهي مقاربتها عند حدود الايجابية اللفظية، ام انها ايجابية قابلة لأن يبنى عليها وصولا الى نتائج ملموسة تحدث قفزة نوعية نحو بر الامان الامني والسياسي؟

ما يلفت الانتباه هو ان التجاوب «الازرق» مع مبادرة السيد، لم يكن كاملا، بل كان اشبه بـ «نصف تجاوب»، فتيار «المستقبل» استخدم في مقاربته لهذه المسألة طبقتين من الصوت:

– الأولى، تضامنية في لحظة عاطفية فرضها التفجير الارهابي في برج البراجنة.

– الثانية، العودة الى الموقف الحقيقي، والتي تبدت بلغة مغايرة بعد ايام معدودة، اعادت اثارة العناوين الخلافية واسباب الشحن والتحريض السياسي وغير السياسي، وعبرت عنها بعض مواقف تيار «المستقبل» و «14 آذار» في الجلسة التشريعية، وكذلك مواقف الرئيس فؤاد السنيورة على طاولة الحوار. ولعل التوصيف الدقيق للموقف الازرق جاء على لسان رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد حيث ادرج هذا الموقف في خانة «التضامن ولكن..». وكذلك الاستياء الذي انتاب الرئيس نبيه بري من «تحريض» السنيورة في جلسة الحوار، ما حمله على مخاطبته قائلا ما مفاده: «كل الناس تتقدم الى الامام الا انت تتراجع الى الوراء»!

على ان التجاوب اللفظي من قبل «المستقبل»، احيط بالاسئلة التالية:

– هل هناك ضوء اخضر اقليمي او دولي يسمح للبنانيين بتحقيق اختراق داخلي؟

– هل يمتلك «المستقبل» القدرة على اثبات رغبته الجدية وقدرته على ملاقاة دعوة نصرالله الى التسوية الشاملة في منتصف الطريق؟

– هل يستطيع «المستقبل» الذهاب ابعد من التجاوب اللفظي مع المبادرة بمعزل عن موافقة السعودية؟ واهم من كل ذلك، هل «المستقبل» هو «سيد نفسه» لجهة الحل والربط مع المبادرة؟ وهل هو قادر على التخفف من المملكة، او السير في الاتجاه المعاكس لموقفها؟

الواضح أن دعوة نصرالله الى التسوية الشاملة، وتلك المقاربة الايجابية من «المستقبل»، ألقتا على المشهد الداخلي جوا من الارتياح، ولكنه ارتياح يبقى محدودا، اذ لكي يكتمل، ويكتب لتلك التسوية ان تترجم بمجموعة توافقات حول رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وسائر الامور الخلافية، لا بد لها ان تجتاز مجموعة معابر الزامية:

– اولها، المعبر الدولي، وهنا لم يتم الافراج الدولي عن لبنان بعد، كما لا تعتبر الدول المعنية لبنان في سلم الاولويات والاهتمامات.. فحتى الآن لا مؤشر يوحي بوجود قرار دولي يضع لبنان على سكة حلول بمعزل عن الدول المشتعلة المتوترة، والتي تحتل صدارة الاولويات امتدادا من اليمن والعراق وصولا الى سوريا.

ويحدد مرجع سياسي موقع لبنان حاليا: «إنه في آخر الترتيب، فهو مرتبط بالجو الاقليمي العام وخصوصا الوضع السوري، ويقع في موقع المتلقي الاول لسلبيات هذا الجو، ان سادت، وهو ما نشهده في التوترات التي تظهر بين حين وآخر. وهو في الوقت ذاته المتلقي لايجابيات هذا الجو، ان امكن الوصول اليها، لكنه ليس الاول، اذ ان الاولوية لانضاج التسوية هناك، ومن بعدها تبرز «الامكانية» لكي يأتي دور لبنان ويوضع على سكة التسوية والحل. والى ان يحين زمن الحلول والتسويات الاقليمية من اليمن الى سوريا، ليس على لبنان سوى الانتظار المفتوح بلا سقف زمني. وما عليه ايضا سوى التكيف مع الفراغ الرئاسي والجمود المؤسساتي الحكومي والبرلماني.

– ثانيها، المعبر السعودي ـ الايراني، فالاشتباك بين الدولتين مستمر بوجوه واشكال مختلفة وعلى ساحات متعددة من سوريا الى اليمن فالعراق، فساحة حجاج منى، وصولا الى لبنان. فحتى الآن، ليس هناك ما يؤشر إلى ليونة يمكن البناء عليها لبنانيا لإحداث اختراق سياسي يفضي الى تسوية. فكيف يمكن لتسوية ان تعبر في لبنان الى الترجمة الميدانية، ما دام رعاتها الاقليميون السعوديون والايرانيون في وضع عدائي وقتالي مفتوح على مزيد من التوتر والتصعيد؟

– ثالثها، المعبر السعودي، فموقف المملكة من لبنان لم ينضح بايجابية، وزوار الرياض عادوا منها بانطباعات تؤكد ان التسوية في لبنان ليست اولوية سعودية في الوقت الحالي، فموازين القوى مختلة لمصلحة خصومها، ويمكن لهذا البلد ان ينتظر ويراوح الوضع فيه مكانه، الى حين توفر الظروف المنتجة لتسوية تجد المملكة مصلحتها فيها. ومن هنا كان سماحها لتيار «المستقبل» بأن يشارك في «حوار عين التينة» مع «حزب الله»، فقط لتنفيس الاحتقان ومنع تفاقم التوتر السياسي، وهذا هو سقف الحوار المسموح به سعوديا.

ينقل هؤلاء ايضا، ان العداء السعودي لـ «حزب الله» في اعلى مستوياته، فالحزب بالنسبة الى السعودية منظمة ارهابية، ولطالما سعت في السنوات الاخيرة الى اقصائه، ليس من الشراكة في الحكومة اللبنانية الحالية، لا بل من الحياة السياسية في لبنان.

وتبعا لذلك، فإن السعودية لا تزال تفرض «الفيتو» على اية تسوية داخلية في لبنان، تعطي «حزب الله» وحلفاءه مكاسب معينة. وليس سرا انها منعت وصول ميشال عون الى رئاسة الجمهورية برغم اتفاق سعد الحريري معه، على اعتبار ان وصول عون الى الرئاسة يشكل مكسبا لـ «حزب الله»، فكيف يمكن ان توافق على تسوية يدعو اليها امين عام «حزب الله»؟ وهل يمكن لتسوية ما ان تعبر في لبنان بمعزل عن موافقة السعودية عليها؟

– رابعها، معبر العجز اللبناني عن مغادرة ازماته وايجاد الحلول لها، والنفايات ابسط مثال، وكذلك العجز عن انتاج تسوية «صنع في لبنان»، فالتجارب السابقة متعددة وفاشلة، والحوارات الثنائية والموسعة اكثر من ان تحصى، والنتيجة دوران حول الذات من دون ملامسة جوهر الخلاف والاقتراب معا نحو مساحات مشتركة.

تبعا لما تقدم، قال السيد نصرالله كلمته وألقى الكرة في ملعب «المستقبل» وحلفائه. طرح التوافق على السلة المتكاملة واراد من ذلك حث اللبنانيين على ان يثبتوا انهم قد بلغوا سن الرشد السياسي، والا فإن المشهد المحلي والإقليمي والدولي يشي بمراوحة طويلة. وخلال تلك المراوحة فقد تنتج التطورات المتسارعة، وتحديدا في الميدان السوري، وقائع قد تجعل من المطروح حاليا غير قابل لأن يطرح في المستقبل.