قبل أن يتّجه «حزب الله»، الحاكم الفعلي في لبنان، إلى التمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الأمر الذي كشفه وزير مالية «الثنائي» يوسف الخليل، كان لا بدّ من بعض المواقف التي تغطّي مسبقاً ما سيحدث من كوارث، باتّهام الولايات المتحدة الأميركية بالتسبّب بانهيار لبنان اقتصادياً، وهذا أسهل ما يمكن للأمين العام لـ»حزب الله» أن يفعله، لكنه لم يعد بالمردود الشعبي والتعبوي نفسه الذي كان يحصّله في السابق.
استعمل نصر الله شمّاعة الحصار، إلى درجة أنه لم يعد بالإمكان استثمارها، فعن أي حصار يتحدّث؟ هل عن المعاملات المصرفية بين لبنان والعالم التي بإمكان أميركا لو أرادت أن توقفها بشطبة قلم؟ أم عن حجم الاستيراد اللبناني الذي قارب في عزّ الأزمة الـ17 مليار دولار، وهي نسبة شبه متساوية مع سنوات ما قبل 2019؟ لقد اختلط الأمر على نصرالله، فبدا كأنه يتحدّث عن فنزويلا وإيران اللتين تتعرّضان للعقوبات الأميركية والدولية، لا عن لبنان الذي ينحصر عقابه في طبقته السياسية التي يحافظ عليها نصرالله برموش البنادق والعيون.
كيف يمكن أن يستقيم تجهيل المسؤول عن الإنهيار بهذه الطريقة الهزلية، والشعبوية، فالجميع بات يعرف أنّ مسؤولية الانهيار، تتحمّلها طغمة سياسية ومالية ونقدية، أفسدت وسرقت واستباحت، بالتكافل والتضامن، كما يعرف أنّه عندما لاحت الفرصة الجدية الوحيدة لمعاقبة هذه الطغمة، ونزع نيرها عن رقاب اللبنانيين، حظيت بكل محبة وثقة باحتضان السيد حسن، الذي رفع إصبعه محذّراً من إسقاطها بقوة الشارع، فبقي عون في القصر، وبقي برّي في عين التينة، وكان يمكن للحريري أن يبقى لولا أنه كان منسجماً مع نفسه ورحل.
ولم يكتف السيد حسن بالحفاظ على الطغمة برموش العيون، بل هو، وبموازاة تحميله أميركا مسؤولية الانهيار، مبرّئاً ساحة أتباعه اللبنانيين، يعمل على تأبيد سطوتهم، وتحضيرهم للاستمرار بإمساك مقاليد السلطة، أو بالأحرى مفاتيح السجن الكبير الذي يقبع خلف أسواره ملايين اللبنانيين.
بهذا المنطق يصبح الرئيس الأميركي جو بايدن هو من سرق ودائع اللبنانيين، وليس تحالف أرباب المال والسياسة، ويصبح وزير خارجيته هو من نهب قطاع الكهرباء، وبنى السدود الخالية واستقدم البواخر، ويصبح رئيس مجلس الأمن القومي الأميركي هو من نظّم الهندسات المالية، ومن غطّى عمل «القرض الحسن»، ومن سكت على استعمال المصارف لتبييض الأموال.
بهذا المنطق يمكن القول إنّ «حزب الله»، يحضّر لبنان لفوضى لا تنتهي، وهو يستبقها بتعميم نظرية المؤامرة، التي لا يمكن إلا أن تكون في خدمة الفوضى، وفي خدمة إيران التي تخشى من توجيه ضربة عسكرية لمواقعها النووية.
سبق للأمين العام لـ»حزب الله» أن اتهم أنصع حركة شعبية في تاريخ لبنان، بتهمة العمالة للسفارات. يومها ردّ بعض حلفائه غير المشاركين في السلطة عليه بخجل، أمّا اليوم فهو يضع أتباعه في المنظومة، في مرتبة الملائكة المظلومين، ويقول للبنانيين، هؤلاء أبرياء، أمّا من سرقكم فهي أميركا. إنّه استغباء للعقول لم يسبق لأحد أن ارتكبه بمثل هذه الجرأة.