أسهب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في شرح تفاصيل عملية الرد “المناسب والمتناسق” و”المدروس والمحسوب”، بما فيه المكان الذي أطلقت المقاومة صواريخ الكاتيوشا غير الدقيقة منه أي إحدى البقع التابعة لبلدة شويا، مبرراً ذلك بأنها لم تشأ “أن تجرنا جميعاً إلى مواجهة غير محسوبة”.
هو حاول طمأنة أهالي القرية الذين أدى سخطهم على وضع راجمة الصواريخ في محيطها إلى أن “كل شيء حسبناه بدقة”، أي أن العملية العسكرية التي نفذها المقاومون لم تكن لتؤدي إلى رد فعل إسرائيلي. وعادة من يتولى إيصال الرسالة إلى الإسرائيليين بأن ما يقوم به “الحزب” سيقف عند حدّه ولا ضرورة لمزيد من التصعيد هي قوات الأمم المتحدة (يونيفيل)، عبر اتصال هاتفي أو عبر وسيط ما في الدولة اللبنانية. وعلى كل حال كان تواصل وزيري الدفاع الأميركي والإسرائيلي كفيلاً بضبط الأمور. أي أن ما كان يجري في الجنوب في الأيام الثلاثة التي تخللتها موجة التسخين المقصودة، كان على رادار الاتصالات الدولية، ربطاً بالتوتر الحاصل بين إسرائيل وإيران في خليج عُمان بعد اتهام إيران من قبل البنتاغون بأن مسيّرات انطلقت من أراضيها أصابت ناقلة النفط التابعة لشركة إسرائيلية.
حاول السيد نصرالله بملكة الكلام والحجج التي يتقنها، إقناع الجمهور الذي يخاطبه بأن الرد من شويا هو لتجنب حرب واسعة بالمكان والزمان. وأراد بشرحه التفصيلي لـ”العشرين صاروخاً التي أطلقت من أصل 32″ ولـ”الزاوية”، التي اختارتها المقاومة للتمركز في بلدة شويا، إبعاد الشبهة عن “الحزب” بأنه تحرك عسكرياً وفق ما تمليه مقتضيات الرسائل المتبادلة بين طهران وواشنطن، والسياق التصعيدي بينهما من فيينا إلى مأرب في اليمن، والغارات الإسرائيلية على مواقع الحرس الثوري في سوريا، وصولاً إلى قصف حلفاء طهران للمواقع الأميركية والرد عليه في العراق… والضوء الأخضر الأميركي البريطاني لإسرائيل للرد على استهداف إيران للناقلة الإسرائيلية.
لم يكن خطاب المرافعة الطويلة إلا لتسخيف ما صار تهمة من خصومه وأصدقائه على السواء.
ومع أنه هزأ من “فلاسفة سياسيين كثر يربطون الردّ مباشرة ويأخذونه إلى الإقليمي والدولي وعلى معركة البحار وفيينا والمفاوضات النووية”، فإن ذاكرة من يتابع خطبه لا تخطئ بأنه سبق أن قال أكثر من مرة قبل أشهر قليلة إن أي “اعتداء على إيران سيشعل المنطقة برمتها”، وإن محور المقاومة معني بالرد من أي مكان. وكان واضحاً أنه يقصد أن هذا الرد سيشمل الجبهة اللبنانية الإسرائيلية. وإذا كان يمكن تصنيف ذلك التهديد بأنه جاء في سياق الحرب النفسية، لأنه عاد فقال بالأمس إن “إيران تملك من القوة ما لا تحتاج به لا إلى حليف ولا إلى صديق”. إلا أن هذا لا يمنع استخدام الجبهة اللبنانية الجنوبية من أجل إرسال الرسائل النارية، لاستنفار الدوائر الدولية من أجل أن يكون أي رد على إيران بعد اتهامها باستهداف ناقلة النفط “مدروساً” هو الآخر و”مناسباً ومتناسقاً”.
ما يحتاج “حزب الله” إلى مراجعته أيضاً، إضافة إلى خطابات نصرالله، هو علاقته مع البيئة الحاضنة. فتمييزه بين البيئات المختلفة التي تتحرك في ثناياها قواته العسكرية، ودعوته العدو إلى عدم المراهنة على بيئة المقاومة “الخاصة” الذين هم أهل الصبر، هم أهل البصيرة، هم أهل التحمل”، ملمحاً بذلك على أن البيئات الأخرى لم تعد تصبر وتتحمل وبلا بصيرة، بسبب حادثة شويّا، تستدعي الكثير من التبصر من قيادة الحزب ومن الراعي الإيراني.
بل أن ما يردّده السيد نصرالله منذ سنوات، عن أنه لم يحصل إجماع على المقاومة منذ 1982، بات يحفر عميقاً في ذاكرة اللبنانيين بأن معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” لم تعد صالحة، وباتت كل المرافعات في تبرير العمليات العسكرية غير “متناسقة” مع قناعات الشعب على الإطلاق بما فيه شرائح من البيئة الخاصة.
وللمناسبة، كان ينقص المرافعة التقنية التي أدلى بها الأمين العام لـ”الحزب” أن يدلي ببعض المعطيات عن الصاروخين اللقيطين اللذين أُطلقا في 4 آب وأشعلا موجة التصعيد الأخيرة: نوعيتهما والمنصة التي أطلقا منها وأين سقطا…