الايجابية الوحيدة التي يتفق مراقبون عديدون على استنتاجها من خطاب الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي أظهر فيه على نحو غير منتظر حجم الرهان الايراني الهائل على تقدم الحوثيين في اليمن والاستياء الكبير من الحملة التي بدأتها مجموعة من الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية دعما للشرعية هناك، انما تتصل بالقرار حول استمرار الحوار الداخلي بينه وبين تيار المستقبل ما يفترض انه يقي الاستقرار اللبناني هزة جديدة على وقع التطورات الجديدة في المنطقة. ومع انه لا يتوقع الكثير من الحوار مع اتساع صراحة التعبير عن الاصطفافات الداخلية مع المحاور الاقليمية اكثر فأكثر، فان ثمة معطيات تفيد عن قلق عميق سابق للتطورات الأخيرة في اليمن المتمثلة في “عاصفة الحزم” من انعكاسات درامية للتقدم الحوثي في اليمن وسيطرته على الوضع هناك على المنطقة ولبنان من ضمنها كونه سيثبت او يكرس هيمنة اقليمية معينة. الأمر الايجابي المتجدد في هذا الاطار اعادة تأكيد الحزب على ألسنة مسؤوليه للحوار “ولو مات الآخرون غيظاً” كما قال نائب الامين العام للحزب وذلك بعد كلمة لبنان في القمة العربية التي كانت داعمة ضمنا وبلباقة للاجماع العربي على نحو لا يناسب توجهات الحزب وكذلك بعد عاصفة من الردود العربية العنيفة على الامين العام للحزب وما ساقه من اتهامات ضد السعودية والدول العربية وتوليه هذه المهمة بالنيابة عن المسؤولين الايرانيين الذين لم يصلوا في مواقفهم الى هذا الحد من التهجم بما يفيد عن قطعه على المستوى الشخصي شعرة معاوية التي اضحت بينه وبين دول المنطقة منذ تدخله في الحرب دفاعا عن النظام السوري.
برر السيد نصرالله تناوله موضوع اليمن بأنه “كان يتابع المعلومات ورأى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي تحدث عن تدخل ايراني في لبنان وان الافرقاء اخذوا موقفهم ونحن لنا حقنا في التعبير عن موقفنا المختلف” كما قال. وكان الرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط عبّرا صراحة عن دعمهما الحملة السعودية للوقوف في وجه محاولات المد الايراني الذي صم المسؤولون الايرانيون الآذان عنه منذ اشهر عدة باعلان سيطرتهم على اربع عواصم عربية هي العراق وسوريا وبيروت واليمن، من دون ان يعقّب اي مسؤول في الحزب رفضا لهذا الكلام او دفاعا عن كرامة لبنان وسيادته. وتعتبر مصادر حليفة للحزب ان الامين العام للحزب ما كان ليترك لبنان يعبر عن نفسه في اتجاه دعم الخطوة السعودية بل على العكس هو يعبر عن رأي مناقض لفرملة احتمال اندفاع لبنان في هذا الاتجاه عشية انعقاد قمة عربية تمحورت حول التطورات اليمنية وقدمت كل الدعم لها ورفع سقف هجومه على السعودية ما يفهم منه جملة امور من بينها: وجوب الا تنزلق بيروت لتكون العاصمة الثانية التي قد تخسرها ايران معنوياً بعد الحملة السعودية لوقف المد الايراني في اليمن وتالياً في المنطقة، في حال اظهار ممانعة قوية لذلك ووجود رأي مؤثر ومناقض في هذا الاتجاه والابقاء على حال التوازن السياسي الاقليمي قائما في لبنان على اقل تقدير ان لم يكن ترجيح كفته لمصلحة المحور الايراني.
المفارقة ان ما اضافته المواقف الاخيرة في الداخل في ضوء التطورات اليمنية ان الوضع اللبناني واستحقاقاته كان مرتبطاً خلال الاشهر الاخيرة وعلى تفاوت بمصير التطورات في العراق على وقع التغيير السياسي الذي طرأ على طبيعة الحكومة هناك والتخلي عن نوري المالكي فاضحى مرتبطاً بعد حين بتطورات الحرب السورية من جهة ورصد ما سيكون عليه مصير النظام وبين المفاوضات على الملف النووي الايراني بين ايران والدول الخمس الكبرى زائد المانيا من جهة اخرى. ولم يلبث في ضوء الاحداث الدرامية في اليمن ان اصبح وضعه يرتبط بتطورات هذه الاحداث ونتائجها خصوصاً ان اللعبة الاقليمية باتت تلعب على المكشوف. فالعملية العسكرية التي بدأتها المملكة السعودية في اليمن ضمت تحالفاً من عشر دول اسلامية ذات غالبية سنية ولم تتأخر حركة حماس ايضاً، وليس الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحده الذي انتقده الامين العام للحزب، في تأييد الشرعية السياسية في اليمن في ما قرئ تقارباً مع المملكة وسعيا الى المصالحة مع الدول العربية الاخرى، فيما سجل في المحور الآخر الى جانب ايران الداعمة للحوثيين كل من العراق والنظام السوري و”حزب الله”. ولم تخف مجموعة دول التحالف العربي لا قبل القمة العربية ولا اثناءها حساسية الموقف من سعي ايران الى مد نفوذها فيما تمت دعوتها على ألسنة قادة عرب في القمة الى حسن الجوار، ما يفيد ان طهران وضعت امام خيارين: اما الذهاب الى حرب مع جيرانها بحيث تغلق من جهة ملف عداء واستنزاف لها نتيجة العقوبات المفروضة من الدول الغربية مع التوصل الى اتفاق حول ملفها النووي ثم تفتح ملفاً مماثلاً انما في اتجاه آخر اي مع الدول المجاورة أكانت هذه الحرب مباشرة او بالواسطة في ظل رهان على محاولة اطالة زمن العملية العسكرية من اجل استنزاف القدرات العربية او اضعافها او فكفكة التحالف العربي – الاسلامي ضدها، او الذهاب الى محاولة الاتفاق على قاعدة توازن سياسي ارسته التطورات الاخيرة. لكن اليمن بات البوابة التي يمكن ان تقود الى اي من الخيارين بحيث تنطلق منه الامور لتشمل ساحات الاختلاف والتنازع العربي – الايراني في المنطقة من بغداد الى سوريا فبيروت.