ما تضمنه تأبين الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لمصطفى بدر الدين قائد الجناح العسكري لـ”حزب الله” أمر متوقع لكن ما كان غير متوقع من نصرالله أن يعلن ان الحزب فقد كل قادته المؤسسين منذ إنطلاقته في بداية الثمانينات من القرن الماضي ولم يبق من نجومه سوى نصرالله فقط. لذلك أشارت المقالات التي كتبت بأقلام موالية الى ان نصرالله بات الصخرة الوحيدة للحزب.
لم نكن نعلم هذه الاهمية التي كان يمثلها بدر الدين إلا بعد مصرعه. وجاءت الروايات التي تداولتها اوساط الحزب لتكشف ان بدر الدين لم يكن من الصف الذي يلي نصرالله بل كان من صف الاخير مباشرة.واحدى هذه الروايات تقول ان بدر الدين عندما كان يحضر الاجتماعات القيادية التي يترأسها نصرالله كانت كلمته هي الاقوى. فهو الى جانب مسيرته العسكرية الطويلة منذ التأسيس كان يتمتع بمزايا قلما تمتع بها المؤسسون ومنها إتقانه ثلاث لغات. كما انه تميّز بطباع حادة جعلت الاخرين من أقرانه يتجنبون مواجهته. لذلك لم يكن بدر الدين قريبا من أحد إلا من رفيق مسيرته عماد مغنية الذي سبقه الى الغياب قبل ثمانية أعوام في دمشق في إنفجار عبوة ناسفة بسيارته. ووفق ما أوردته الـ”بي بي سي” قبل أسبوع فإن عضوا في الحزب وصف في إستجواب لوكالة المخابرات الامنية الكندية بدر الدين بأنه خبير متفجرات وأنه “أكثر خطورة” من مغنية الذي كان “مرشده في الارهاب” حسبما ذكر أحد التقارير.
في غمرة التكهنات التي راجت بعد مقتل بدر الدين أن تصفيته تمت بالطريقة التي جرت فيها تصفية رئيس الشيشان الاسبق جوهر دوداييف عام 1996 وذلك بصاروخ موجّه أطلقته قاذفات مقاتلة روسية من نوع سوخوي 25 خلال إجرائه مكالمة هاتفية تلقاها من صديق له في الدوما الروسية عبر هاتف عامل بالاقمار الصناعية إستغلتها القوات الروسية لتحديد مكانه وقصفه. ويقارن أصحاب هذه الفرضية بما حصل مع بدر الدين الذي كان في موقعه الحصين قرب مطار دمشق فاضطر الى الصعود الى حديقة الموقع لتلقي مكالمة بسبب ضعف الارسال تحت الارض، فكانت الفرصة لإستهدافه بطريقة ما زالت غامضة حتى الان.
غياب بدر الدين أحدث ولا يزال إرباكا واسعا من الضاحية الجنوبية لبيروت الى طهران. وما مسارعة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني الى المجيء الى الضاحية لتعزية أسرة بدر الدين والتأكيد أن مصرعه “مصاب للامة الاسلامية” إلا شاهد على هذا الارباك. بدوره عبّر مستشار المرشد الايراني علي أكبر ولايتي عن هذا الواقع في مواجهة هذه الضربة القاسية فقال “إن حركة حزب الله فيها الكثير من الشخصيات التي تتميّز بروح جهادية…”
نصرالله اليوم وحيدا وعليه أن يملأ الفراغ في أصعب ظروف يواجهها الهلال الايراني من بيروت الى بغداد مرورا بدمشق.