يندرج تهديد الأمين العام لـ «حزب الله» بنقل الميليشيات الشيعية المتعددة الجنسية التي تقاتل في سورية الى لبنان، في اطار اجراءات التحسّب التي تُعدّها ايران لمرحلة ما بعد الحرب الأميركية على «داعش»، لا سيما في ضوء اللقاء المرتقب بين ترامب وبوتين الأسبوع المقبل، وشعورها بالقلق منه، على رغم التوقعات المتواضعة لنتائجه.
وقد يعتقد كثيرون بأن تلويح نصرالله بحشد شيعي تهويل بحت، ويهدف الى ترهيب اسرائيل وردعها عن التفكير في استهدافه، إلا ان تجربة الحزب خلال السنوات الماضية تشير الى انه يلجأ عادة الى طرح افكار غامضة ومتقطعة عن خططه، ثم يوسعها في شكل متصاعد، لتشمل في كل مرة تفاصيل اضافية وذرائع متنوعة، الى ان تصبح اكثر قبولاً ويتم التعامل معها باعتبارها أمراً واقعاً. ويشكل التدرج الذي اعلن به الحزب تدخله العسكري في سورية نموذجاً لهذا الأسلوب.
فالمؤكد، ان الرسالة الجديدة موجهة هذه المرة ليس الى اسرائيل فحسب، بل خصوصاً الى الولايات المتحدة وروسيا. إذ ليس شيئاً جديداً ان «حزب الله» لا يعترف بالحدود اللبنانية الرسمية التي لم يُقم لها وزناً منذ نشأته، والتي لم تحل يوماً دون تلقيه شحنات الأسلحة الإيرانية والسورية، ولم تشكل عائقاً امام انتقال الآلاف من مقاتليه الى الداخل السوري للدفاع عن نظام الأسد، ولم تكن ابداً عقبة أمام استقباله في معسكرات التدريب في البقاع والجنوب والضاحية «متطوعين» من البحرين واليمن والسعودية. ولذا سيكون أمراً «عادياً»، بالنسبة إليه، ان يستقدم «فاطميين» و «نجباء» الى «الساحة اللبنانية» التي يمتلك قرارها.
والتوجس الذي تعيشه ايران وحزبها، يتمحور حول صفقة ما قد يبرمها ترامب وبوتين في شأن سورية، لتشكل صافرة البداية للسعي الأميركي الى تقليص الدور الإيراني في هذا البلد. وتشعر طهران بأن ثمة احتمالاً، ولو ضعيفاً، بأن تقايض روسيا بقاء بشار الأسد بخفض الانتشار الإيراني وملحقاته، اي ضمانات اميركية بعدم التعرض للنظام اذا ساعدت روسيا واشنطن في تطلعها الى محاصرة الامتدادات الإقليمية لإيران.
ويضغط الأميركيون بقوة في هذا الاتجاه، سواء عبر تصديهم لمحاولات قوات موالية لإيران الاقتراب من منطقة الحدود السورية مع العراق والأردن، او عبر الإنذار الذي وجهوه الى الأسد من مغبة شن اعتداء كيماوي جديد وتهديدهم بتدفيعه مع جيشه «ثمناً فادحاً». لكنهم يطرحون على الروس في المقابل مغريات متعددة، بينها امكان تخفيف العقوبات الاقتصادية وتجميد او تقليص خطط توسيع الحلف الأطلسي في شرق اوروبا، وبالتأكيد، الإقرار الواضح والعملي بمصالح موسكو في سورية والشرق الأوسط، بعدما جرى تجاهلها حتى الآن.
وإذا نجح لقاء هامبورغ في صوغ اتفاق روسي – اميركي، بما يعني اقتراب التسوية في سورية، ستطرح اسئلة من نوع: هل تستطيع ايران مقاومة النتائج العملية لهذا التقارب؟ وماذا ستفعل بميليشياتها العراقية والأفغانية والباكستانية وقوات «الحرس الثوري»؟ وكيف ستحميها اذا رفع عنها الغطاء الجوي الروسي؟
وسواء اكتملت عناصر الصفقة بين القطبين الدوليين أو لا، فإن ايران التي تعتبر «حزب الله» ورقتها الأقوى على الإطلاق في المنطقة، تدرك ان اي تراجع لدورها في سورية سيمهد الطريق لمواجهة مقبلة هدفها اضعاف حزبها في لبنان. ولذا يخدم مدّه بآلاف المقاتلين الشيعة المنتشرين حالياً في سورية هدفين: تعزيز امكاناته عبر تحويل لبنان «قاعدة شيعية» دائمة، بما يجعل الحرب البرية عليه اكثر صعوبة، ومنحه القدرة على التخريب لاحقاً على أي تسوية في سورية لا تضمن المصالح الإيرانية.