لا تعني التحركات الرئاسية التي شهدتها الايام الماضية ان الساعة قد دقت لانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، فهي لا تعدو كونها مشاورات في حلقة مغلقة اوسع من تلك الضيقة التي كانت عليها سابقا. وبذلك فإن الفراغ في قصر بعبدا سيبقى قائما الى ما بعد بعد 30 تشرين الأول المقبل.
واذا كان مشهد الحراك الرئاسي يعكس صورة متعثرة للانطلاقة نحو انجاز هذا الاستحقاق، فإن التفاهمات المتقدمة بين رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وبين السيد نادر الحريري مستشار الرئيس سعد الحريري، خلصت الى مجموعة بنود شكلت خريطة طريق ثنائية لعودة عون الى بعبدا رئيسا للجمهورية، لكن فشل القوى السياسية اللبنانية في انتخاب رئيس بمعزل عن الرعاية الخارجية كما جرت العادة وصل الى طريق مسدود نتيجة التفاهمات الثنائية بين الحريري وعون بعد ان اصطدمت بحسابات قوى ومنها داخل المحور الواحد، بحيث يقدم رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري بنود السلة التي يريدها بالتكافل والتضامن مع حزب الله على التفاهمات الثنائية المغلقة التي اقامها رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون مع كل من الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، بحيث أبلغ الآخرين ان بنود السلة تأتي قبل رئاسة الجمهورية بالنسبة إليه.
وفي وقت تتسع فيه دائرة الاتصالات المعقدة، فإن أوساطا مواكبة لهذا الملف تجد ان عون قادر على إحداث خرق في الدائرة المغلقة اذا ما أجاد اقتناص الفرصة في المرحلة الحالية التي ارتفعت فيها وتيرة الحراك الرئاسي وذلك من خلال لجوئه الى عدة خطوات على ما تجمع الأوساط، وهي:
– أولا- ملاقاة عون لبري الذي اعلن انه يريد لرئيس الجمهورية أن يعمل ولا يريد له ان يكون معطَّلا، اذ ان رئيس المجلس مؤيد لانتخاب رئيس للبلاد «لكن بري سياسي ويشتغل بالسياسة» حسب الاوساط لكن على قاعدة تفاهم معه على ورقة عمل للمرحلة المقبلة وعدم الرهان على ممارسة شريكه في الثنائية الشيعية امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الضغط وعليه، لكون حزب الله حريصاً في هذه المرحلة التي يواجهها في لبنان والإقليم على وحدة الطائفة الشيعية، لذلك على عون ان يتجه نحو بري لاطلاعه على التفاهمات الرئاسية الجانبية مع المستقبل والقوات، بعد «النقزة» التي اصابته وحزب الله، للتنسيق معه حول عناوين المرحلة المقبلة ومواضيعها المتعددة على اكثر من صعيد وقطاع.
– ثانيا- ثمة مبادرات أقدم عليها عدد من المسؤولين اللبنانيين وجعلتهم رغم الواقع المذهبي في البلاد في موقع مطمئن لكل الفرقاء والمذاهب، اسوة بوزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كانت له جسور مفتوحة في شتى الاتجاهات رغم الانتقادات التي واجهها، ومضى في خطوته التي تفرض على المسؤول ان يكون له دور وطني في ظل مستنقع من التناقضات المذهبية والتجاذبات السياسية الحالية. وكذلك كان لمدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، تتابع الاوساط، معالجات وأداء مكنته ان يكون محط ثقة الجهات كافة وضيفا لاكثر من مرة في الفاتيكان وكذلك تحركات وآخرها زيارته طرابلس وسعيه لعقد مصالحة بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة، ورغم ان التشابه لا يتطابق بين العماد عون وبين الوزير المشنوق واللواء ابراهيم لكونهما يتوليان مواقع رسمية حساسة، لكن القصد من ذلك تتابع الاوساط انه على عون ان يتقدم من موقعه السياسي نحو موقف ودور وطني ليعطي إشارة واضحة الى انه رئيس للبلاد وليس لفريق واحد ليطمئن القوى ويؤمن اجماعا على شخصه او في الحد الأدنى تأييدا لا يستفز الآخرين كما هو حاله بعد التفاهمات المقلقة التي أنجزها على خطي بيت الوسط ومعراب.
– ثالثا- مبادرة عون لمساعدة الحريري كناخب أساسي ليتمكن من انتخابه متى حانت الساعة دون تداعيات على كل من تيار المستقبل والبيئة السنية وذلك من خلال مواقف مطمئنة تدل على انه لا يكن العداء لهذه البيئة وهو سيكون رئيسا لكل البلد بما يجعل رئيس المستقبل مالكا لاوراق تجعله قادرا على طرحه على الصعيدين المحلي والخارجي دون معوقات او تداعيات.
اذ في منطق الاوساط على عون ان يخرج من «القمقم» الذي تموضع داخله سياسي ومذهبيا ويتمسك بترشيحه الذي لا يمكن تجاوزه، لانه عليه ان يبادر حتى في اتجاه منافسه الرئاسي رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية الذي كانت تغريدته الاخيرة حادة جداً تجاهه، ويسقط الحائط القائم بينه وبين أخصامه من قوى كبيرة او صغيرة، لان الحراك الحالي المتعثر ممكن ان يحدث خرقا اذا ما تفاهمت القوى كافة على التسوية الرئاسية، من خلال توسيع دائرة اتصالاته عبر خلال زيارات شخصية له، لا سيما بعد الاتفاقيات الثنائية المقلقة التي لا تعبد طريقه الى بعبدا نظرا لتركيبة البلاد وهو الذي يعلم أن «الاتفاقات الثلاثية» لم تشهد النور ولذلك لن يكون مصير الثنائية افضل، وما عليه سوى ان يكون المبادر في الحراك على غرار الحريري الذي يسعى لتسوية رئاسية وليس البقاء في مربع الانتظار الذي لم يسعَ لخرقه بأي مبادرات عربية، أوروبية، ولذلك فان الرغبة الداخلية بإنجاز الاستحقاق كل على قياسه تتطلب منه استطلاع آراء القوى السياسية سيما انه تفاهم مرارا وكانت له سابقات مع بعضها على ملفات سياسية او غير سياسية تعني الوزير باسيل…