Site icon IMLebanon

ثلاث محاولات سابقة لاغتيال نصرالله كيف حدثت وفشلت؟

 

منذ بروز «حزب الله» على الساحة السياسية والعسكرية في لبنان في الثمانينات، خصوصاً بعد تولّي السيّد حسن نصرالله منصب الأمين العام في عام 1992، وضعته إسرائيل على رأس قائمة أهدافها، كونه رمز «المقاومة اللبنانية» ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وقائداً للحزب الذي يُشكّل تهديداً كبيراً على أمنها القومي.

كانت محاولات اغتياله جزءاً من استراتيجية إسرائيل لضرب قيادة «حزب الله» وتقويض قوته. وحدثت محاولات الاغتيال هذه، التي تنوّعت ما بين الغارات الجوية، العمليات السرّية، والتكنولوجيا المتقدّمة، في أوقات حساسة من تاريخ الصراع.

محاولة عام 1997

عام 1997 كان حافلاً بالتوترات بين «حزب الله» وإسرائيل. كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي متواجدة في جنوب لبنان، بينما تصاعدت العمليات ضدّها بقيادة «حزب الله»، خصوصاً بعدما تولّى نصرالله قيادة «الحزب» بعد اغتيال عباس الموسوي في عام 1992. وكانت محاولة الاغتيال هذه جزءاً من جهود إسرائيل لتقويض قيادة «الحزب» وإنهاء تهديد العمليات المستمرة ضدّ جيشها في الجنوب.

 

أدركت إسرائيل أنّ استهداف نصرالله ليس بالمهمّة السهلة، نظراً للإجراءات الأمنية المشدّدة التي يتبعها «حزب الله». فجمعت معلومات استخباراتية دقيقة عن تحرّكاته، مستندةً على شبكات من العملاء داخل لبنان، بالإضافة إلى استخدام الطائرات من دون طيار (Drones) لرصد وتحديد مواقع قيادات «الحزب».

 

في هذه العملية، استخدمت إسرائيل مزيجاً من المصادر البشرية والتكنولوجيا المتقدّمة. فكان العملاء الميدانيّون يُرسلون تقارير يومية عن تحرّكات نصرالله وأنشطته. لتضاف إلى صور ومقاطع الفيديو المجموعة من الطائرات المسيّرة، خصوصاً في الضاحية الجنوبية لبيروت، المعقل الأساسي للحزب.

 

في 2 تموز 1997، جاءت اللحظة الحاسمة. كانت خطة الاغتيال تعتمد على استهداف موكب نصرالله أثناء تنقّله بين مواقع في الضاحية. فتمركزت الطائرات المسيّرة في السماء منتظرةً الموعد المقرّر لتحرّك الموكب. ووفقاً للتقارير التي جُمِعت من صحف «النهار والسفير ونيويورك تايمز وواشنطن بوست»، كان يُنتظر تنفيذ الهجوم من خلال صواريخ دقيقة موجّهة من المسيّرات باتجاه الموكب كاملاً.

 

إلّا أنّ محاولة الاغتيال فشلت بسبب التدابير الأمنية المُحكَمة التي كان يتّبعها «حزب الله» من خلال ما يُعرف بـ»الحلقات المموّهة»، أي مجموعة من الحلقات الأمنية التي ترتكز على سلسلة مواكب تضليلية تغيّر طرقاتها وتحرّكها بصورة دائمة لتضليل المراقبة الأمنية والتكنولوجية الإسرائيلية، بالتالي لا يتمّ المرور من طريق واحد مرّتَين متتاليتَين تزامناً مع مرور المراكب التمويهية في وقت واحد مع الموكب الأساسي الذي يستقلّه نصرالله. علماً أنّ السيارات المعتمدة يجب أن تكون متشابهة نوعاً وكماً وعديداً.

 

كما اعتمد «حزب الله» على نظام رصد واستشعار مُبكِر لتحرّكات الطائرات المسيّرة في الأجواء. واستفاد الفريق الأمني المحيط بنصرالله من هذه الاستراتيجية والتقنيات لرصد الطائرات قبل وقوع الضربة، فغيّر مسار الموكب في اللحظات الأخيرة، مانعاً القوات الإسرائيلية من توجيه ضرباتها بدقّة، ممّا أدّى أخيراً إلى إفشال المحاولة.

 

كان فشل المحاولة محرجاً بالنسبة إلى الكيان العبري، لأنّ «حزب الله» أثبت قدرة على التأقلم مع تكتيكات إسرائيل المتطوّرة آنذاك. وعلى الرغم من أنّ المحاولة لم تنجح، إلّا أنّها كانت تذكيراً بأنّ الحرب على «حزب الله» لم تقتصر على العمليات الميدانية في الجنوب، بل امتدّت إلى محاولات اغتيال قادة الحزب.

 

محاولة العام 2006 خلال حرب تموز

في عام 2006، تسبّبت حرب تموز بين إسرائيل و«حزب الله» التي امتدّت لـ34 يوماً، على خلفية أسر «الحزب» لجنديَّين إسرائيليَّين، بخسائر بشرية ومادية هائلة للطرفَين. وفي خضم الحرب، حاولت إسرائيل اغتيال نصرالله باعتباره العقل المدبِّر للعمليات العسكرية الشرسة التي شنّها «الحزب» على شمال وعمق الدولة العبرية.

 

آنذاك، رأت إسرائيل أنّ القضاء على نصرالله سيكون خطوة حاسمة لإنهاء الحرب والانتصار فيها، بما أنّ عمليات الاغتيال في زمن الحرب تمثّل تحدّيات فريدة بسبب الفوضى التي ترافق العمليات العسكرية الواسعة.

 

مع تكثيف الإسرائيليّين جهودهم الاستخباراتية لتحديد موقع أمين العام «الحزب»، اعتمدت، مرّة أخرى، على طائرات استطلاع مسيّرة لتحديد موقعه، لكن في هذه المرّة كان لديها طموح أكبر لاستهدافه مباشرة. كما استعانت إسرائيل بالمعلومات التي جُمعت من عملاء استخباراتيِّين على الأرض، وتقارير استخباراتية مفصّلة كانت تُجمَع من شبكات مراقبة وتحليل تحرّكات قادة الحزب.

 

كانت هناك غارات جوية عدة على مواقع في الضاحية، حيث كان يُعتقد أنّ نصرالله مختبئ. واستُخدمت صواريخ موجّهة لتدمير المباني التي يُعتقد أنّ قادة «حزب الله» موجودون فيها، إحداها كان يُعتقد أنّ الأمين العام كان فيها. لكن «حزب الله» كان قد استعدّ لهذه الحرب بشكل غير متوقّع، من خلال بناء شبكة من المخابئ والأنفاق تحت الأرض المحصّنة والمجهّزة للهجمات الجوية والصواريخ الموجّهة، في مناطق مختلفة من لبنان، خصوصاً في الضاحية.

 

وكان نصرالله يُدير العمليات من داخل هذه الأنفاق والمخابئ، التي توفّر وسائل اتصال آمنة، مصعّبةً على الشبكات التجسّسية الإسرائيلية مهمّة المراقبة وتحديد المعلومات بدقّة. بالإضافة إلى أنّ «الحزب» كان يمتلك نظاماً متقدّماً للاتصالات الداخلية باستخدام تكنولوجيا مشفّرة، ما حال دون تمكّن إسرائيل من التجسّس على محادثات قادته وعناصره.

 

وفشلت المحاولة في اغتيال نصرالله الذي لم يظهر علناً إلّا في مناسبات نادرة خلال الحرب، عبر خطابات مسجّلة ومعدّة مسبقاً في أماكن سرّية. وبعد انتهاء الحرب، أشار نصرالله في خطابات عدة إلى أنّ إسرائيل حاولت استهدافه، مؤكّداً أنّ النظام الأمني الذي وضعه الحزب كان قوياً بما يكفي لحمايته من أي استهداف مباشر، ما رفع من مكانة الأمين العام في بيئته، وبات يُنظر إليه على أنّه لا يمكن المسّ به.

 

محاولة العام 2008

في عام 2008، كانت الأوضاع لا تزال متوتّرة بين الطرفَين، على الرغم من انكفاء نيران المعارك، إلّا أنّ إسرائيل لم تتوقف عن استهداف قادة الحزب. فجاءت محاولة اغتيال جديدة لنصرالله بعد معلومات استخباراتية عبر فرضية أنّه يتنقّل عبر «نفق سرّي» تحت الأرض.

 

واعتمدت إسرائيل على معلومات استخباراتية حصلت عليها من عملاء لها في لبنان، بالإضافة إلى استخدام المسيّرات لرصد تحرّكات نصرالله، وأُضيف إليها تقنيات جديدة تتمثل في «أجهزة استشعار تحت الأرض» لرصد أي حركة داخل الأنفاق، بالإضافة إلى تقنيات تحليل الصور الجوية المتصلة بالأجهزة وغرفة العمليات الاستخباراتية في تل أبيب. فزُرِعت هذه الأجهزة، بحسب الروايات الإعلامية الإسرائيلية والأميركية، في أماكن مختلفة حول النفق المفترض أنّه سيستخدمه.

 

وعلى الرغم من استخدامها لهذه التقنيات والاستراتيجية، إلّا أنّ الخطة باءت بالفشل لأسباب عدة: أولاً كان «حزب الله» قد بنى بنية تحتية معقّدة للغاية تحت الأرض، تتضمّن شبكات من الأنفاق والمخابئ المتصلة ببعضها البعض، ما جعل من الصعب تحديد مكان نصرالله بدقة. وصُمِّمت الأنفاق لتكون مقاومة لأيّ محاولات اختراق من الجو أو الأرض، بفضل نظام تهوية محكم ووسائل تنقّل سرّية بعيداً من أنظار الطائرات أو أجهزة الاستشعار.

 

ثانياً، استُخدِمت وسائل تمويه بارعة خلال التنقلات، من خلال خلق مسارات وهمية للتحرّك والثبات في أماكن لوقت محدود، مع وسائل اتصالات مشفّرة تمنع تعقّب المكالمات أو الرسائل.

 

ثالثاً، الاعتماد على نظام مراقبة متقدّم لرصد أي محاولات تجسُّس أو تعقّب، ممّا مكّن الفريق الأمني الخاص بنصرالله من كشف تحرّكات المسيّرات الإسرائيلية في مناسبات عدة، فتعدّلت خطة التحرّكات بشكل دوري ووقت قصير للغاية. ورابعاً، اعتمد الفريق الأمني المدرّب خصِّيصاً لمثل هذه التحدّيات على تمويهات بشرية من التحرّك السريع بعدة اتجاهات في آنٍ وبشكل منظّم، بالإضافة إلى التنكّر للتحايل على تكنولوجيا تحليل الصور.

 

وأثبتَت هذه المحاولة الثالثة للاغتيال أنّ «حزب الله» كان يواكب عمليات التطوير الإسرائيلية، ما مكّنه من حماية أمينه العام بشكل مستمرّ. ما دفع بالإسرائيليِّين إلى الهمود في المحاولات والتخطيط طويلاً لضرب قيادات الحزب طيلة أكثر من عقد من الزمن، إلى أن بدأت تتكشّف الخطط والتقنيات المتطوّرة منذ اندلاع الاشتباكات في الجنوب في 6 تشرين الأول 2023.